الخميس 08 مايو 2025
28°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأولى   /   الافتتاحية

أبو جعفر المنصور: "إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة... فإنَّ فساد الرأي أن تتردَّدا"

Time
الخميس 14 يوليو 2022
View
6880
السياسة
أحمد الجارالله

"إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإنَّ فساد الرأي أن تتردَّدا".. قائل بيت الشعر هذا الخليفة العباسي أبوجعفر المنصور، وفيه خلاصة لما يمكن أن تكون عليه الدولة عندما يتردد الحاكم في قراره، أو يلجأ إلى تسويف الوقت، ما يؤدي إلى إضعاف هيبة الدولة، وبالتالي تقويض مؤسساتها فيعمّ الهوان بها.
لذا، اعتمدت مؤسسات الحكم في الدول الديمقراطية خلال العقود الستة الماضية مبدأ الشفافية الكاملة، واستقاء المعلومات من المصادر كافة، بدءاً من وسائل الإعلام وصولاً إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وليس انتهاء باطلاع المسؤول شخصياً من عامة الشعب عما يعانيه من مشكلات.
لهذا، تحولت وسائل التواصل الاجتماعي في العشرين سنة الماضية مصدراً مهماً لإثراء المعرفة لدى الحاكم، وأدت دوراً كبيراً في تصويب الكثير من القرارات التي اعتمد فيها على الدولة العميقة، أو خاصة المستشارين الذين يسعون إلى إعلاء مصالحهم الشخصية على كل أمر آخر، فيما في المقابل تحولت وسيلة ضغط على الحكم حين أساء تقدير ما تنشره من معلومات، فكان الطوفان في عدد من دول العالم.
لذا، من نافلة القول إن الحكم المدرك مدى قوته يستفيد من تلك الوسائل في معرفة المزاج الشعبي، ومعالجة المشكلات التي تعلن عبر تلك الوسائل، وهو ما عملت به كل ديمقراطيات العالم، بل حتى بعض الدول الشمولية أفسحت في المجال لهذا النوع من مصادر المعلومات، لذا نرى اليوم رؤساء دول وحكومات لديهم صفحاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي يتواصلون عبرها مع شعوبهم.
في كل هذه الدول لا يُعاقب المغرد أو ناشر المحتوى، فيما التشهير والتحقير والتحريض والشتم يبقى جريمة يعاقب عليها القانون بالغرامة وليس الحبس، وهي من الثوابت في كل قوانين الجزاء بالعالم، إلا في الكويت التي ابتدع النواب في لحظة غضب أطفأت نور العقل التشريعي في العام 2015 قانون الجرائم الإلكترونية المخالف للدستور أولاً، والذي يلغي مفاعيل 34 قانوناً في الكويت ثانياً، فيحكم بالحبس على كل صانع محتوى إلكتروني لا يستسيغ المسؤول، أي مسؤول، ما نشره، بالسجن، فيما القضاء وجد نفسه مكبلاً بهذا القانون.
لم يسبق لدولة في العالم أن جرّمت تغريدة من 160 حرفاً بعقوبة قاسية هي السجن خمس سنوات إلا في الكويت، ولا شك أن هذا القانون السيئ تسبب في الكثير من الظلم الذي وقع على مئات المواطنين، الذين يكابدون اليوم، إما في السجون، أو في الغربة، حيث اختاروا نفي أنفسهم عندما رأوا أن أي كلمة ستودي بهم إلى السجن.
هنا لا بد من التأكيد أن الذين لا يزال القانون السيئ الذكر يلاحقهم، خصوصاً من يعيشون خارج البلاد، استعانوا بأرقام هاتف أجنبية وينشرون ما يريدون عبرها، بل أصبحوا أكثر شراسة في ما ينشرونه لأنهم باتوا في مأمن من الملاحقة، حيث الدول التي يقيمون فيها لا تعاقب على هذا النوع من النشر.
في هذا الشأن، لا بد من إدراك حقيقة أن المشرّع هو قدوة للناس، وبالتالي حين يُسمح له بقول ما يريد، والتعدي على الآخرين، في قاعات مجلس الأمة، فإن العامة سيسيرون على نهجه، لأن "الناس على دين ملوكهم"، لذا فقد أباح النواب لأنفسهم أمراً سيئاً جعل الناس تسير على خطاهم، وبالتالي فإنهم يتحمّلون مسؤولية الظلم الواقع على صناع المحتوى، وهم من يجب أن يُحاسب، لأنهم سنوا قانوناً أقل ما يقال فيه إنه أعور.
لذا، إذا كانت هناك نية مؤكدة للإصلاح، وإذا كانت السلطة حريصة على هذا الأمر فلابد لها من أن تستفيد مما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وأن تعالج المشكلة من جذورها عبر العفو عن هؤلاء المغردين وإعادتهم إلى البلاد، كي تتخلص من وصمة العار التي تلاحقها في كل المحافل الدولية.
بناءً على هذه الحقيقة، وكي لا تصبح الكويت دولة بوليسية على العكس من تاريخها الديمقراطي وعاداتها وتقاليدها التي جعلتها في مرحلة النور دولة الشفافية والعقل المستنير، لا بد للسلطة من التمتع بالعزيمة لإلغاء هذا القانون الذي أساء ولا يزال يسيء إلى الكويت، فقد صدق أبوجعفر المنصور في قوله: "إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة".
آخر الأخبار