إعداد - أحمد فوزي حميدة:"عاشوا معظم سنوات حياتهم في ضلال بعيدا عن الإيمان وتمادوا في ارتكاب المعاصي واحتراف سرقة الناس وأكل حقوقهم ، وحينما أنار الله بصيرتهم وهداهم للإيمان استجابوا وتابوا وانقطعوا عن السرقة وزهدوا في الدنيا ومتاعها حتى نالوا درجة الولاية والاصطفاء والمحبة من الله عز وجل."

قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما أظلّتْ الخضراء، ولا أقلّتْ الغبْرَاء من ذي لهجة، أصدق ولا أوفى من أبي ذرّ"، إنه الصحابي أبي ذر الغفاري "رضي الله عنه"، الذي كان قبل إسلامه يقطع الطريق على الناس، فيصيب من أموالهم ما يشاء في الليل والنهار، ولا يصده عن هدفه شيء.و في كتاب "أسد الغابة في معرفة الصحابة" قال عنه ابن الأثير،" إنه أحد السابقين الأولين، من نجباء أصحاب رسول الله (ص) قيل خامس خمسة في الإسلام، ثم إنه رده إلى بلاد قومه، فأقام بها بأمر النبي(ص) له بذلك، ثم هاجر معه ولازمه وجاهد معه، وكان يفتي في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.وتذكر كتب الرواة أن اسمه جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام الغفاري، وأمه رملة بنت الوقيعة من بني غفار أيضًا، قبيلة لها باع طويل في قطع الطريق والسطو على القوافل ولكن شاء المولى أن ينير لهذه القبيلة دربها للإسلام بعد إيمان أبي ذر.يقول الدكتور كامل عبد المجيد البوهي، أحد علماء الأزهر، إن أبا ذر الغفاري تحول من قاطع طريق إلى صحابي جليل، فبعد أن اعتاد لسنوات السطو والسلب والنهب أنار الله بصيرته للحق والإسلام. ويروى أنه دخل مكة متنكرًا يتسمع أخبار أهلها والدين الجديد، وقابل النبي (ص) وسمع منه آيات من القرآن الكريم فرق قلبه ولم يمض غير وقت قليل حتى هتف أبو ذر بالشهادة فسأله النبي (ص): "ممن أنت يا أخا العرب"، فأجابه أبوذر: "من غفار"، وتألقت ابتسامة واسعة على فم الرسول (ص)، واكتسى وجهه بالدهشة والعجب لمعرفته بأنها قبيلة اشتهرت بالسلب وقطع الطرق، فضحك "أبو ذر" لإدراكه سر العجب في وجه الرسول الكريم، ثم أعقب الرسول (ص) قائلا: "إن الله يهدي من يشاء"، وما إن أعلن إسلامه حتى دخل المسجد الحرام ونادى بأعلى صوته: "أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله"، وكانت هذه الصيحة أول صيحة تهز قريشًا من رجل غريب ليس له في مكة نسبًا ولا حمى، فأحاط به الكافرون وضربوه حتى صرعوه، وأنقذه العباس عم النبي (ص) بالحيلة فقد حذر الكافرين من قبيلته إذا علمت، فقد تقطع عليهم طريق تجارتهم؛ لذا تركه المشركون.وحينما عاد إلى قومه وحدثهم عن الإسلام وما يدعو له من مكارم الأخلاق، اعتنق قومه الإسلام، ثم توجه إلى قبيلة أسلم فأرشدها إلى الحق وأسلمت، ولما هاجر الرسول (ص) إلى المدينة، وإذا بموكب كبير يقبل على المدينة مكبرًا، فإذا هو أبو ذر أقبل ومعه قبيلتا غفار وأسلم، فازداد الرسول (ص) إعجابًا ودهشة، ونظر إليهم وقال: "غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله".ويروى في "سيرة ابن هشام"، أن الرسول (ص) خرج بأصحابه في غزوة تبوك سنة 9 هـ، وكانت أيام عسرة وكلما مشوا ازدادوا تعبًا ومشقة، فتلفت الرسول الكريم (ص) فلم يجد أبا ذر فسأل عنه، فأجابوه: "لقد تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره"، فقال النبي (ص): "دعوه، فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه" وفي الغداة، وضع المسلمون رحالهم ليستريحوا فأبصر أحدهم رجلا يمشي وحده، فأخبر الرسول (ص) فقال: "كن أبا ذر" وأخذ الرجل بالاقتراب فإذا هو أبو ذر يمشي صوب النبي (ص)، فلم يكد يراه حتى قال: "يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده ويموت وحده، ويبعث وحده".وبالفعل يموت أبا ذر بعيدا في صحراء الربة بقرب المدينة ليس معه سوى زوجه ويخبرها: أن رسول الله (ص) قال: "ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين"، وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية، ولم يبق منهم غيري، وهأنذا بالفلاة أموت، فراقبي الطريق فستطلع علينا عصابة من المؤمنين، فاني والله ما كذبت ولا كذبت، وفاضت روحه إلى الله، وتأتي جماعة على رأسها الصحابي عبد الله بن مسعود، فما أن يرى وجه أبي ذر حتى تفيض عيناه بالدمع ويقول صدق رسول الله (ص): "تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك".