الأحد 25 مايو 2025
36°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

أزمة تونس ومسلسل الفشل "الاخواني"

Time
السبت 07 أغسطس 2021
View
5
السياسة
د.سالم الكتبي

من يتمعن بتفاصيل المشهد السياسي التونسي يجد أن هذا البلد حالة استثنائية لا تشبه أي بلد عربي آخر، حتى أن البعض كان يعتبر أن "إخوان تونس" ليسوا كغيرهم من جماعات منتشرة بدول عربية عدة، وأنهم اكتسبوا خبرات مختلفة نتيجة وجود قادتهم في عواصم غربية لسنوات طويلة.
لكن التجربة العملية التي عاشتها تونس منذ عام 2011، اثبتت أن "إخوانها" يحملون "الجينات التنظيمية" نفسها لنظرائهم في مصر وغزة واليمن وسورية وغيرها، فقد انغمس هؤلاء بصراعات سياسية مستمرة منذ عودة قيادات كان البعض يفترض أنهم تعلموا من التجارب السياسية الغربية، لاسيما ما يتعلق بالتعددية، لكن حقيقتهم انكشفت مع أول تجربة لهم بإصرارهم المتكرر على الانفراد بالسلطة، حيث حال بينهم وبين ذلك وعي الشعب وبقية القوى السياسية التونسية، لكنهم مالبثوا أن اتجهوا إلى سيناريو إفشال الآخرين، بافتعال الصدام مع رئيس الجمهورية تارة، وبقية القوى السياسية تارة أخرى، حتى انتهوا إلى الصدام مع الشعب ذاته والتضحية به للتغطية على فشلهم في تحمل المسؤولية والارتقاء إلى مستوى طموحات الشعب.
لقد اعترف رئيس الحكومة المُقال هشام المشيشي في بيان له بعد قرارات رئيس الجمهورية بما وصفه بـ"الإمكانات المحدودة للدولة والوضع المتردي للاقتصاد الوطني والمالية العمومية"، و"تصاعد التشنج السياسي وفشل المنظومة السياسية التي أفرزتها انتخابات 2019 في تكوين حكومة نظرا للتباين الكبير بين متطلبات الشارع وأولويات الأحزاب السياسية والتي واصلت في ترذيل المشهد البرلماني إلى حدّ القطيعة بين المواطن والسياسيين"، واقر بصعوبة ايجاد مخرج مناسب في ظل هذا الوضع السياسي المأزوم، وهذه حقيقة تفسر لجوء الرئيس قيس سعيد إلى اجراءات استثنائية للتعاطي مع أزمة يراها تستفحل بسرعة، لا سيما أن حل حكومة التكنوقراط لم يفلح في تحقيق أهدافه واجراء اصلاحات بسبب الشروخ والخلافات العميقة بين أركان السلطة، التي ادت فيها حركة "النهضة" دوراً بارزاً بهدف الذهاب إلى انتخابات مبكرة تعتقد أنها ستحصل فيها على نصيب أكبر من "الكعكة" السياسية بغض النظر عن الكارثة الصحية التي تعيشها البلاد، وتسببت في وفاة أكثر من 17 ألفا جراء تفشي فيروس"كورونا".
سعت "النهضة" برلمانياً وبكل الطرق لافشال أي جهد رئاسي أو حكومي يستهدف الخروج من الوضع الحالي، حتى أن قيس سعيد اتهمها بحماية الفاسدين وتعطيل ملفات قضائية، ما تسبب بغضب شعبي ادى الى دعوات تطالب بحل البرلمان واسقاط الحكومة، ثم مهاجمة وحرق بعض مقار الحركة "الاخوانية"، التي تستحوذ على الاغلبية البرلمانية وتعطلها البرلمان.
المعضلة الحقيقية التي تعانيها تونس في حاليا تتمثل بافتقار "حركة النهضة" لقواعد وأصول الممارسة السياسية الديمقراطية، رغم أن ظروف الحالة التونسية تسمح لها بانخراط حقيقي في اللعبة الديمقراطية، فالحركة تحمل "جينات" أيديولوجية معاكسة للتعددية، ولا تريد الاعتراف بتراجع شعبيتها الذي انعكس في الجولات الانتخابية التي جرت حتى عام 2019، كما لم تستوعب رسالة فشل عبد الفتاح مورو في التأهيل للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
كما فشلت الحركة وبقية النخب السياسية بمعالجة أسباب تراجع المشاركة الشعبية في الانتخابات البرلمانية المتوالية، حيث عاد الاحباط يخيم على الشباب، وارتفعت معدلات الهجرة غير الشرعية مجدداً، ما يعني هدر سنوات طويلة من دون عائد تنموي يحلم به التونسيون منذ عام 2011.
لقد هبطت حصة "اخوان تونس" في البرلمان من 89 مقعداً في أول انتخابات برلمانية عقب إطاحة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، إلى 52 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، مروراً بالحصول على 69 مقعداً في الانتخابات التشريعية الثانية عام 2014 (حصلت الحركة في الانتخابات الأولى على 37 في المئة من عدد الأصوات، وفي الثانية على 28في المئة، وفي الأخيرة على 23في المئة فقط)، لكنها لم تدرك مغزى هذا التراجع الكبير، وظلت على عنادها وانغلاقها والتشبث بالرأي كما هو شأن بقية الجماعات "الإخوانية"، رغم أنها ظلت تعد الشعب بـ"توفير مقوّمات العيش الكريم، والرّفع من المقدرة الشّرائيّة والتّشغيل، وتعزيز الأمن، ومقارعة الفقر والإرهاب والفساد والتّهريب"!
ملخص الأزمة التونسية يعكس أزمة تنظيم الإخوان المسلمين وجماعاته في مختلف الدول، فالتنظيم يعيش حالة انكار تام لفشله السياسي، فقد مارس السياسة وفق منطق استعلائي منغلق على الذات، لا يقبل التعددية ولا يستوعب دروس الماضي، ولا يقبل التعلم من الآخرين، وحاول خداع الجميع، بمن فيهم الشعوب، فخسر السياسة والشعوب معاً، ولم تعد له حتى فرصة البقاء كجماعة دينية دعوية.

كاتب إماراتي
آخر الأخبار