السبت 27 يوليو 2024
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
أسلوب رائع في التعليم
play icon
الأخيرة   /   كل الآراء

أسلوب رائع في التعليم

Time
الاثنين 18 سبتمبر 2023
View
130
أحمد الدواس

مختصر مفيد

قصة حقيقية من روائع ما حدث في حقل التعليم الأميركي، ففي الخمسينات كان اولي نيل فتى صغيرا من أسرة متواضعة مكونة من 13 فرداً، يقطنون جميعهم منزلاً ليس فيه كهرباء، ونظراً الى سلوكه المشاغب فقد أزعج معلمته في الصف الآنسة غرادي، فعندما تدخل المعلمة الصف جرت العادة في المدارس ان ينطق التلاميذ كلمة "يا آنسة" أو "يا سيدي" للمعلم إذا تطلب الأمر السؤال.
اما الولد بيل فيذكر اسم المعلمة مباشرة فيقول: "ياغرادي" ما يجعلها تذرف الدمع من حين آخر، وحدث ذات مرة ان تم القبض عليه، وهو يسرق من المحل الذي يعمل به بعد انتهاء دوام المدرسة، لكن صاحب المحل سامحه.
وفي أحد الأيام من عام 1957 تسلل نيل من الصف، وأخذ يتجول في مكتبة المدرسة التي أنشأتها المعلمة غرادي، ولم يكن قارئاً يحب القراءة، إنما أراد كتاباً للتسلية فرأى كتاب "كنوز الوادي السعيد" للمؤلف الأميركي فرانك يربي فسرقه، ولم يرد ان يخبر رفاقه في الصف حتى لا يقولوا عنه إنه يقرأ الروايات، فهذا شيء مٌعيب في نظره.
في المنزل استمتع بقراءة الكتاب، ولما انتهى منه بعد أسبوع تسلل ثانية الى المكتبة أثناء الدوام المدرسي لإعادة الكتاب، وهناك وجد على الرف كتاباً ثانياً للمؤلف نفسه فسرقه أيضا، وكان هذا الكتاب رائعاً في نظره أيضاً، ولما أراد إعادته للمكتبة بعد قراءته اعترت الدهشة ملامح الصبي فقد وجد كتاباً ثالثاً للمؤلف نفسه، وتكرر هذا الفعل أربع مرات.
فقال في نفسه "لا بد ان القراءة هي الشيء الوحيد الذي أحبه"، ثم تغير مسار هذا التلميذ فقد انتقل الى قراءة الروايات الصعبة، وقراءة الصحف والمجلات، والتحق بالثانوية ثم كلية الحقوق.
في عام 1991 تم تعيينه بوظيفة قانونية كأول مدع عام في أركنساس، أي مثل النائب العام، وبعد سنوات قليلة تم تعيينه كقاضٍ، وأخيراً كقاض لمحكمة الاستئناف.
ولكن القصة لم تكتمل بجميع جوانبها!
لقد رأت المعلمة غرادي التلميذ نيل يسرق الكتاب الأول، فتمالكت أعصابها من شدة الغضب، وأرادت مواجهته، لكنها لم ترد إحراجه ففضلت الهدوء، وفي يوم السبت، وهو يوم عطلة، قادت سيارتها مسافة 70 ميلاً، أي 112 كيلومترا الى مدينة ممفيس تبحث في المكتبات عن رواية ثانية للمؤلف يربي، وأخيراً وجدت كتاباً ثانياً، فاشترته ووضعته في الرف نفسه في المكتبة، ولما رأت التلميذ نيل يسرق الكتاب الثاني عادت فقادت سيارتها يوم السبت تقطع هذه المسافة أيضاً لشراء الكتاب الثالث.
كررت ذلك حتى الكتاب الرابع حيث اشترت هذه الكتب الأربعة من جيبها الخاص، ولم تهنأ بعطلات السبت، وقت راحتها، كل ذلك في سبيل تغيير سلوك هذا الطالب المشاغب الى الأفضل!
والآن ماذا كان تأثير سلوك المعلمة على التلميذ؟
إن سلوك المعلمة لم يؤثر على التلميذ نيل فقط، إنما أثر على جميع الناس المٌحيطين به فابنته كارما نالت الدكتوراه في علم الوراثة، وهي أستاذة في جامعة "إموري" كما أدارت برنامجاً لتنمية المجتمع في أركنساس.
أما المعلمة غرادي ذات القلب الكبير، فقد كان بإمكانها ان تقول إن هذا الولد فاسد الأخلاق، ولا سبيل الى تقويمه، لكنها لا شك حوّلت حياة الكثير من الأطفال الى الأفضل من خلال اتباع الأسلوب البسيط.
ليت الكويت تستخدم أفضل وسائل التعليم والتربية السلوكية، وكمثال على تردي مستوى التعليم لدينا قول المعلم للطلاب: "سأتحدث عن الدرس مرة واحدة فقط"، وربما لا يشرح بالشكل المطلوب حتى يعمل كمدرس خصوصي بعد انتهاء الدوام، والدليل استعانة كثير من طلابنا وطالباتنا بالدروس الخصوصية.
بينما سنغافورة تطبق فكرة "مواد أقل لكن بفهم أكبر"، فلا بد من تقييم عمل المعلم، فالمعلمون لهم تأثير كبير في تطوير المجتمع.
ما المانع من تفعيل دور المكتبات العامة في الفترة المسائية والموجودة الى جانب الجمعيات التعاونية، على أن يُلحق بها مقهى صغير، وآلة طباعة لتشجيع التلاميذ والطلاب على القراءة، حتى يتحسن سلوكهم العام، فهناك مستوى عال من العنف سواء بين الطلاب، أو في المجتمع، والقراءة لها تأثير كبير في تهذيب سلوك الإنسان.

أحمد الدواس

[email protected]

آخر الأخبار