كتب - فالح العنزي:لم يواجه عمل درامي اتهامات وهجوما بقدر ما واجهه مسلسل "أم هارون" للفنانة الكبيرة حياة الفهد، منذ التسريبات الأولية عن أحداثه. عندما يقرر المؤلف الخوض في تجربة التعايش بين الأديان يجب أن يكون حذرا، لأن تأريخ حقبة زمنية وتقديمها دراميا لا يمكن التجاوز عنه في ظل وجود من يدقق في كل جملة، في دراما "أم هارون "للأخوين البحرينيين محمد وعلي شمس، وجدنا الحب ولم نجد الكراهية، التقينا الإنسان ومشاعر فاضت بالعاطفة وقلوب تأثرت لكنها لم تتحطم أمام الطائفة والدين، الفكرة عميقة لم يتجرأ عليها من سبقهم، فهل التطبيع تهمة ملفقة؟!في "أم هارون" نحن أمام عمل محترف أعاد بوصلة الدراما الخليجية إلى وجهتها الصحيحة، مع "أم هارون" وجدنا أنفسنا في رحلة البحث عن الانسان، قادتنا الأحداث للركض وراء كل شخصية، لم تكن شخوص الثنائي شمس، عابرة بل رئيسية مهمة تقودها "أم هارون" الفنانة حياة الفهد. أسرة "الحاخام" ذات الأصول العراقية، مسالمة عاشت في مجتمع خليجي تسوده المحبة والسلام، مجتمع لم يحتاج إلى تزييف الحقائق وإلباسها ثوبا لا يليق بها، شفافية وروحا تواقة للمحبة والسلام، علاقات عاطفية وقلوب تتحطم وأخرى تنكسر، خليط مشاعر وعاطفة وأحقاد، تشابك في القلوب قبل الأيادي، أحداث متسارعة، مناكفات، مشاعر دفينة، أحقاد، وحب قديم، عرقية وأصول وإسلام ومسيح ويهودية، هذا الخليط المتجذر في الخليج مثل أي مجتمع آخر. في "أم هارون" لا يمكن تجاوز معلومة مغلوطة جاءت على لسان ممثل أو خطأ ورد بجملة، لكن هذا لا يعني أن نسقط العمل ونضعه على المقصلة. نعم يجب أن يكون التأليف على درجة من الدقة المطلقة، وهذا ما لمسناه في تداعي الأحداث عبر "أم هارون" التي تستدعي نحوها الشخصيات، هي المحرك الرئيس، منها وإليها تنطلق الحوارات، "أم هارون" أشبه بلاعب الارتكاز في فريق كرة القدم، في الأمام يباغت ويغذي اللاعبين وفي الخلف صمام أمان، الفنانة حياة الفهد هي صمام أمان المسلسل، إن العمل الفني الناجح أشبه بالمثلث يقوم على ثلاثة أضلاع نص جيد، ممثل جيد ومخرج جيد، في"أم هارون" تحققت العناصر الثلاثة، نص يحمل عمقا ثقافيا أعادنا إلى مجتمع لم يعد يشبهنا حاليا، مجتمع مسالم تتعايش فيه الطوائف مجتمع "الانسان" المسلم والمسيحي واليهودي، هذه البقعة من الأرض لم يسمها المؤلف، لأنه لا يريد أن يصبغها بلون أو منطقة أو جنس، وجه دعوة صريحة للتعرف على شخوص العمل ورصد مشاعرهم مع كل حدث سياسي واجتماعي وعاطفي، جعلنا جزءا من هذه الحدوتة، فأصبحنا اصدقاء لـ "سمحة" الوجه والخلق والمظهر، العجوز الداية المسنة "أم هارون"، التي يسكنها مجتمعها بمختلف أطيافه، "أم هارون" التي تخلت عن كل شيء من أجل من تحب.
التوقف عند أداء الممثلين صعب، فكل عنصر تفوق في الأداء، حياة الفهد، مسنة بشعرها الأبيض المجعد يلفه ايشارب يدل على وقارها، أداء جبار في تقمص الشخصية، الوهن في طبقة الصوت، والتعبير عن المشاعر حتى في لحظات الصمت، الفنان عبدالمحسن النمر "الحاخام" ممثل محترف، اشتغل على "الكراكتر"، أداء متقن، معايشة للشخصية، يشاركه الثنائي روان مهدي وفؤاد علي، لم نر ممثلين بل بشرا حقيقيين، ملامح ومشاعر حتى ارتجاف الشفايف لم يكن تمثيلا، الفنانة فرح الصراف ظهرت بشكل رائع انما خانتها بعض الجمل تارة بلهجة عراقية وتارة بلهجتها الكويتية لكن أداءها واضافتها للدور يجعلنا نتجاوز عن زلتها البسيطة.الصورة التلفزيونية في "أم هارون" للمخرج محمد العدل، جميلة سلسة، ديكور حقيقي معبر، بيوت ودكاكين وأزقة وحارات أعادتنا لتلك الحقبة الزمنية.

حياة الفهد

"أم هارون" حياة الفهد وفرح الصراف