الأحد 27 أبريل 2025
31°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

أهل الأندلس تحوَّلوا للإسلام رغبة وإيماناً

Time
الخميس 23 مايو 2019
View
30
السياسة
إعداد - محمود خليل:

عانى المسلمون في الأندلس، كثيراً من ظروف القهر والرقابة الدائمة التي فرضت عليهم بعد سقوط الأندلس، التي كانت محاكم التفتيش المعينة من طرف الكنيسة مسؤولة عن ترتيبها وتنفيذها.
أدت تلك الرقابة الصارمة إلى نفور شديد من قبل الموريسكيين من كل ما يأتي من قبل السلطات الصليبية، فبعد الذوبان الاجتماعي للأندلسيين القشتاليين وأندلسي الغرب، ثاروا على المسيحية التي فرضت عليهم، وبدأوا في البحث عن جذورهم الإسلامية العربية المفقودة. زاد من حدة تحول هؤلاء الاندلسيين، الذين اجبروا على اعتناق المسيحية - المسيحيون الجدد كما كان يطلق عليهم - طرد أندلسيي غرناطة إلى مناطق تواجدهم، اذ وجدوا في الأندلسيين القدامى في غرناطة، ما فقدوه قبل قرون، كما أجبر تواجدهم النصارى القدامى على عدم نفورهم من أهل غرناطة على النصارى الجدد.
لم يمر وقت طويل حتى التحم أندلسيو غرناطة مع باقي الأندلسيين في شتى المقاطعات الخاضعة لحكم القشتاليين، ما نتج عنه فئة جديدة نتيجة ظلم محاكم التفتيش، أسموها "الموريسكيون"، شكلت عنصراً جديداً في التركيبة السكانية والاجتماعية في الأندلس.

يدعي البعض أن وجود المسلمين في الأندلس لم يكن فتحا بل كان احتلالا، مثلما حدث في مصر، وتركيا، والشام ويدعون أن الحروب الصليبية ضد مسلمي الأندلس كانت استردادا لأرض مسيحية من أيدي محتليها المسلمين، كما ظهرت مؤخرا دعوات غريبة تطالب بطرد المسلمين من مصر، وتركيا، والشام، فما حقيقة تواجد المسلمين في الأندلس.
يقول "إدواردو مانثانو مورينو"، أستاذ البحث العلمي في مركز التاريخ، مؤلف العديد من الكتب منها "الغزاة والأمراء والخلفاء.. بنو أمية وتكوين الأندلس"، في مقال له بجريدة "الباييس" الإسبانية: "ما حدث فعلًا في الأندلس هو التأثير المتبادل للثقافات بتقاليدها المختلفة جدًا، نتج ذلك، جزئيًا، عن احتكاك الناس ببعضهم وتجاهلهم لتحريمات الكهنة من دين أو من آخر.
تعلموا العربية سريعًا بعد أن تحولت، ليس فقط إلى اللغة الإدارية، بل إلى لغة الثقافة. ففي القرن التاسع، كان ألبارو دي قرطبة يشكو من أن شبابه المسيحيين "يجيدون العربية بتفوق"، كانوا يقرأون كتبًا بهذه اللغة أكثر من الكتابات اللاتينية.
وبعد مئة عام، كان الشاعر اليهودي "دوناش بن لبرط"، ينصح صديقًا بأن يدمج دينه بالثقافة العربية الباهرة، قائلا له: "فلتجعل حديقتك كتب الأتقياء، وجنتك مخطوطات العرب"وتمتد آثار هذا الاحتكاك الى مناحي الحياة المختلفة مثل، اللغة.
يقول المستعرب "فيدريكو كورينتي"، الذي تخصص في دراسة اللهجة العربية الأندلسية، في مجالات مثل العلوم، "لقد سمح التعدد الثقافي الأندلسي بتلقي وترجمة أعمال علمية من مصادر متعددة".

ليس غزوا
إنها شهادة من طرفهم تؤكد الحقيقة التاريخية، إن ما حدث في الأندلس لم يكن غزوا استعماريا لشعب أزاح شعبا آخر، واستولى على أرضه ومقدراته كما حدث في فلسطين، وأميركا الشمالية والجنوبية، وأستراليا، وما تم فيها من مذابح، عنصرية، وتطهير عرقي، بل كان فتحا إسلاميا، فقد حمل المسلمون الدين الإسلامي، قدموه للشعب الأندلسي، فقبله، وأسلم وتعرب، مع الوقت،مثلما حدث في أفريقيا وآسيا التي لم تصلها الجيوش الإسلامية، لكنها أسلمت بسبب التعامل مع التجار المسلمين الذين نقلوا إليهم الإسلام في صورته الحقيقية الحسنة. إن المسلمين قدموا من شمال إفريقيا، من البربر والعرب، وفتحوا الأندلس ونشروا فيها الإسلام، تحول أهلها للإسلام وبنوا تلك البلاد مع المسلمين، كثير ممن فتحها من البربر، عاد فيما بعد إلى شمال إفريقيا.
ويكفي أن نشاهد في بلاد المغرب العربي من طردهم الصليبيون لنعلم أنهم من أحفاد أهل الأندلس الأصليين الذين تزاوجوا مع المسلمين فكان الأحفاد ذوي بشرة مشربة بالسمار أو السواد مع شعر ناعم منسدل على أكتافهم وعيون زرقاء، فهل يوجد من البربر أو حتى من العرب، من هم في مثل هذه الصورة، لقد كان كلهم سمر البشرة.
لكن، هل كان سكان الأندلس كلهم من المسيحيين، حتى يسمونها بحروب الاسترداد المسيحية، بل ويجبرون المسلمين على التنصر؟
الحقيقة تؤكد أيضا أن أهل الأندلس، هم من اندمجوا مع المسلمين، بنوا معهم الحضارة الإسلامية الأندلسية، وأصبحت اللغة العربية لغتهم، لأن المسلم لم يفرق يوما بين مسلم، ويهودي، ومسيحي، حتى الكفار، كان الجميع يعامل مثله مثل المسلم، ولا أدل على ذلك من وجود كتاب، ووزراء، وعمال من ديانات أخرى في دوواين الحكم الأندلسي.
لا توجد دلائل على انتشار المسيحية في الأندلس، بل كان هناك يهود، أفراد بلا دين، كانت الأعراق متنوعة منهم، القوط، اليونانيين، الرومان، أهل افريقيا، أهل شمال أوروبا، الفنيقيون، فجاء الإسلام ليوحد كل هؤلاء في بوتقة واحدة اسمها "الأندلس".

حرب دينية
لقد حرر المسلمون السكان الأصليين من اضطهاد واستعباد القوط لهم، أشار العديد من المؤرخين والكتاب الأسبان والأوروبيين المنصفين إلى ذلك، مثل كتاب "الثورة الإسلامية في الغرب"، لإكناسيو أولاكواي.
إذن فالحرب التي قادها الصليبيون لإخراج الإسلام من الأندلس، تحت مسمى حرب الاسترداد، لم تكن سوى حرب صليبية، دينية، سياسية، كانت تهدف في طياتها الانتقال إلى المشرق والمغرب العربي، كان احتلال الأندلس الوسيلة لذلك، وهو ما تم بعدها بسنوات معدودات إذ تم احتلال طرق التجارة التي كانت تحت السيطرة الإسلامية، من ثم تم احتلال المغرب والمشرق العربى، وصولا إلى أسيا وأفريقيا.
قضى المسلمون تسعة قرون في الأندلس، منذ دخلها طارق بن زياد، في عام 711 م، حتى خروج آخر مسلميها عام 1614م، بعد صدور مرسوم طردهم في 1609م، كما صدر مرسوم التنصير الإجباري لهم، وأطلقوا عليهم "الموريسكيون" أي المسلمون الذين تم تنصيرهم، لقد عمدوهم عنوة، سلموهم لدواوين التفتيش التي أحرقت منهم ما استطاعت وصار أصحاب الأرض من الأندلسيين، سكانا من الدرجة الثانية في بلادهم، بينما كان الفاتحون المسلمون يتركون أهالي البلاد التي دخلوها على دياناتهم، لا يمسون عقيدتهم، حافظوا على دورهم، كنائسهم، حياتهم.

محاكم التفتيش
وأثار ما حدث للمسلمين في الأندلس مؤرخيهم، إذ يقول "جوستاف لوبون" في كتابه "حضارة العرب"، "يستحيل علينا أن نقرأ دون أن ترتعد فرائصنا من قصص التعذيب والاضطهاد التي قام بها المسيحيون المنتصرون على المسلمين المنهزمين".
قضى المسلمون 40 ألف ليلة يعانون فيها من ظلم محاكم التفتيش، رغم أن من استجاب لضغط وإرهاب محاكم التفتيش للتنصير، فقد تنصر الكثير منهم ظاهريا، بينما كانوا يمارسون شعائرهم سرا، بل كانوا يثورون في وجه السلطات من الظلم الواقع عليهم، دفاعا عن دينهم وهويتهم، مثلما حدث في الثورة الأندلسية الأولى في العام 1499م، وصولا لثورة البشرات في العام 1568م،رغم ذلك فشلت تلك المحاكم في نزع هويتهم أو تنازلهم عنها.
لم تكن الكنيسة بعيدة عن اضطهاد المسلمين، ورغم ثبات "الموريسكيين"، إلا أن بعضهم فضل الرحيل إلى المغرب العربي، فكانت السفن تحمل المئات منهم في مشهد مأساوى لا يوصف، إذ غرقت كثير من المراكب أو اغرقها الصليبيون حينما يكتشفونها لأنها كانت تبحر ليلا، من أماكن غير معروفة.

الاندلس في العهد الاموي
آخر الأخبار