الخميس 01 مايو 2025
31°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

أيقونة الحجاب شعلة يوكسال شينلار

Time
الأربعاء 04 سبتمبر 2019
View
5
السياسة
محمد الفوزان

هل تعرف أنّ الحجاب الذي تلبسه النساء المسلمات في جميع أقطار الأرض هو من تصميمها؟
لقد رحلت أيقونة الحجاب في تركيا ، في 29 اغسطس الماضي، وبكثير من الحب والإكبار، ودعت إسطنبول الكاتبة والناشطة التركية شعلة يوكسال شينلار، أيقونة النضال من أجل الحجاب في تركيا، وأحد أعمدة الفكر ونشر الوعي التي تركت بصمتها الفريدة في وجدان الأجيال التي نشأت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بمقالاتها في الصحف، ومشاركاتها الواسعة في المؤتمرات والندوات على امتداد بلاد الأناضول، وشجاعتها في تحدي التطرّف والإرهاب العلماني.
ولدت شعلة يوكسال عام 1938 في مدينة قيصري، من أبوين مهاجرين من قبرص التي مارست سلطاتها تضييقًا على الأتراك فيها، حينذاك، وعندما بلغت السابعة من عمرها استقرت عائلتها في مدينة إسطنبول، ثم اضطرت لترك المدرسة في الصف الثاني الإعدادي لرعاية أمها المريضة في ظل انشغال والدها، وبدأت العمل بالخياطة في إحدى الورش.
إلى جانب رعاية والدتها وعملها بالخياطة واهتمامها بالفنون، حضرت دروس تعلم العزف على الناي والقانون، وأعطت يوكسال اهتمامًا واسعًا للقراءة، مما أهلها للعمل في الصحافة وتنشغل بالكتابة عندما بلغت الواحدة والعشرين من عمرها، حيث دخلت عالم تأليف القصص ونشرها في مجلة" Yelpaze"، ثم بدأت الكتابة لعمود الشباب في صحيفة "يني شفق" حيث نشرت أولى كتاباتها الفكرية في مجلة"Faruk Nafiz Çamlıbel " بين عامي 1961و 1963،وأضافت اسم شعلة لاسمها الأصلي يوكسال لتعرف كامرأة، حيث كان يحدث اسمها لبسًا.
وكان لها من اسمها الجديد نصيب، فكانت شعلة من الحماسة تنشر المقالات في الكثير من الصحف والمجلات، ومن خلالها تعمل على تغيير الأفكار في عقول الشباب، ومن مدينة إلى أخرى تتنقل بلا هوادة لإقامة ندوات ومحاضرات، تركزت مواضيعها في"دور ومسؤولية المرأة في الإسلام" و"الأزمة الروحية في تركيا" و"الأمس واليوم وغدا".
تميز خطابها بعمق تأثيره، لا سيما في ما يتعلق بتشجيع فتيات المدارس على ارتداء الحجاب، ويذكر كثيرون أن قاعات محاضراتها كانت تفيض بالحضور، بالإضافة إلى أنها كانت تنشر صورها بالحجاب الإسلامي إلى جانب مقالاتها، وهذا بحدّ ذاته شجاعة فريدة في تلك الفترة من تاريخ تركيا، حيث لم تكن النساء المحجبات قادرات على الوصول لمواقع التأثير بالمجتمع في تلك الفترة.
ومن وحي خبرتها كخيّاطة، صممت شعلة يوكسال "موديلًا" خاصًا للحجاب عرفت به، وانتشر بين فتيات المدارس اللواتي تأثرن بها، وقلدنها في طريقة اعتماره ولفه حول الرأس، حتى باتت طريقتها الموضة التي صبغت لباس نساء تركيا المحجبات، ومن ثم انتشر هذا الموديل في العالمين، العربي والإسلامي، وما زال ذلك "الموديل" يمثل شكل حجاب المسلمات حتى اليوم، بدأ قبل أكثر من نصف قرن، حين اعتمرت الحجاب الذي صممته في عمر السابعة والعشرين، عام 1965.
عملت مع أخيها أوزور بتحرير قسم المرأة في مجلة "Seher Vakit" عام 1969، باكورة نشاطها في زيادة الوعي بأهمية الحجاب بين النساء المسلمات، وكتبت القصائد والمقالات، وحاكت متطلبات الفتيات الصغيرات في اختيار ملابسهن، اذ كانت ترسم وتصمم أنماطًا حديثة وأنيقة للحجاب والأزياء الإسلامية.
رُفعت دعاوى قضائية ضدها واُتهمت بإهانة الرئيس، بعد أن نشرت مقالات عدة أحدها كانت بعنوان "ابكوا يا إخواني المسلمين" في مجلة" Bugün " حيث عبرت عن مشاعر الحزن التي انتابتها بسبب الاحتفاء الذي استقبل به بابا الفاتيكان بولس السادس في زياراته غير الرسمية لتركيا، وعن استياء الشعب التركي من التنازلات التي أظهرتها السلطات، حينذاك، واعتبرت ذلك استهانة بمشاعر الأتراك المسلمين، وحكمت المحكمة بسجنها عام 1971 وبقيت ثمانية أشهر في السجن.
كذلك تركت شعلة يوكسال مجموعة من الكتب القيمة والروايات المؤثرة، فقد تحولت روايتها" زقاق السلام" 1970 لفيلم سينمائي بعنوان" Birlecen Yollar"، ومن ثم لمسلسل تلفزيوني يحمل اسم الرواية، وتم بيع آلاف النسخ من الرواية المكتوبة.
ومن كتبها المنشورة أيضًا: "الهداية" و"ماذا حدث لنا؟" و"المرأة في الإسلام" و"المرأة اليوم" و"كل شيء من أجل الإسلام" و"دموع الحضارة" و"فتاة وزهرة"، و"اليد اليمنى" و"مدرس واع".
يُلاحظ أن الكاتبة أفردت جزءًا كبيرًا من إنتاجها، ليس في الدعوة للحجاب فقط، إنما بشكل واضح لدعوة المحجبات لخوض غمار الحياة العامة، والتقدم للصفوف الأولى، وهذا ما نراه في عناوين مثل" المرأة في الإسلام"، و"المرأة اليوم"، وأيضًا في محاضراتها التي تحدثت فيها عن دور المرأة المسلمة ومسؤولياتها.
وهو ما انعكس على واقع الفتيات المحافظات في تركيا في مرحلة الثمانينات وما بعدها، اللواتي لم يستسلمن لقرارات منعهن من دخول الجامعات، بل سافرن للخارج، أو حاولن التحايل على موضوع خلع الحجاب ببعض الطرق، ما يدل على أن المجتمع المتدين في تركيا أدرك أهمية تعليم النساء وعدم تراجعهن لحساب تقدم نساء الأطياف العلمانية.
تكتسب القضية التي حملتها شعلة في الحديث عن الحجاب في المجتمع التركي، والحض عليه أهمية كبيرة، نظرًا للظروف التي مرت بها النساء المحجبات، ومحاولات عزل تركيا عن إرثها الإسلامي، وتعزيز صلاتها بالنمط الأوروبي.
بنظرة سريعة الى تاريخ الحجاب والمحجبات في تركيا ندرك أهمية الدور الذي ادته الكاتبة يوكسال في معركتها الثقافية بنشر الوعي، وإعادة إحياء الحجاب لدى المسلمات التركيات المتعلمات، بعد أربعة عقود من سعي الدولة لفصل الأتراك عن هويتهم وإرثهم الإسلامي.
لذلك سارع الرئيس التركي لنعي الكاتبة الراحلة، واعتبر في تغريدة له على "تويتر" أنها واحدة من رواد الكفاح في قضيّة الحجاب، لافتًا إلى أنها كرست حياتها لمعركة الوعي والتثقيف للشباب المسلم.
رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته.
آخر الأخبار