عبدالنبي الشعلة...وهكذا دفع الانقلابيون الناس إلى الشوارع في مختلف المدن الليبية، وزودوهم بالشعارات المعتادة، الا أن المشهد الليبي رفع شعاراً فريداً وخاصاً ضمن الشعارات المنددة بالحكم السابق وهو "إبليس ولا إدريس"، فلما سمع الملك إدريس هذا الشعار قال: "اللهم استجب دعوتهم"، فكان له ما أراد واستجاب الله دعوته ودعوتهم.وكان معمر القذافي قد ولد في العام 1942 في قرية تسمى "جهنم" بمدينة سرت الليبية. وبعد عامين من مداولات صورية لمحكمة عسكرية استثنائية شكلها القذافي؛ حُكم على الملك إدريس غيابيًا بالإعدام رميًا بالرصاص ومصادرة أملاكه، وعلى زوجته الملكة فاطمة الشفاء بنت المجاهد الكبير أحمد الشريف بالسجن خمس سنوات ومصادرة أملاكها، إلى جانب تجريدهما من الجنسية الليبية.وفي الحقيقة لم يكن ثمة ما يبرر الانقلاب العسكري وإطاحة النظام الملكي، فالملك إدريس لم يرتكب أي جرم يستدعي إطاحته والحكم بإعدامه، والنظام الملكي في ليبيا لم يكن ديكتاتوريًا طاغيًا متسلطًا مستبدًا، ولم يرتكب جرائم في حق الإنسانية، أو مجازر وحشية بحق شعبه كما فعل نظام القذافي وغيره من الأنظمة الانقلابية، ولم يعرف الملك إدريس الفساد المالي أو الأخلاقي، ولم يبدد خيرات شعبه وثروات بلاده، كما فعل من أتى بعده، ولم ينصب العداوة لجيرانه، أو يتدخل في شؤونهم الداخلية، ولم يشن أو يعرض بلاده لحرب أو اعتداء، ولم يفرط في ذرة من تراب الوطن.هذه حقائق دامغة معروفة لا تقبل النقاش ولا يطالها الشك أو الريب.
لقد شن الانقلابيون الليبيون، شأنهم في ذلك شأن أقرانهم من الانقلابيين العرب، حملة شعواء ظالمة للتشهير بالملك إدريس وطمس صورته الحقيقية، وإسقاط اسمه من التاريخ، وقطع الذاكرة الوطنية عنه، وعملوا جاهدين على تشويه سمعته، وانكروا إنجازاته وتنكروا للدور التاريخي الرائد الذي اضطلع به في تحقيق استقلال ليبيا ووحدتها. لقد استجاب الله بالفعل لنداء المتظاهرين ولدعوة الملك إدريس، فصار القذافي أكثر شرا وفسادً ودمارًا من ابليس على ليبيا ومقدرات شعبها؛ فخلال أيام من قيام الانقلاب تمكن القذافي من إحكام قبضته على مقاليد السلطة، وصار الديكتاتور المتسلط والحاكم الفعلي الوحيد للبلاد طيلة 42 عاماً، وألغى الدستور الليبي لتظل البلاد بلا دستور طيلة فترة حكمه، كما ألغى الصحافة الحرة، وكل التنظيمات السياسية والمنظمات والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، وتفتق ذهنه عن ما أسماه "النظرية العالمية الثالثة" وقيام "سلطة الشعب" التي تمكن من خلالها من تفريغ المؤسسات الدستورية والسلطات الرقابية من دورها ومحتواها وسلطاتها.وبعد أن هيمن على الساحة والمشهد الليبيين من كل جوانبهما، وأحكم سيطرته على مقاليد الحكم وثروات البلاد، وأصبح القائد والزعيم الذي لا ينازع، بدأت طموحاته وأطماعه وأحلامه تتمدد إلى خارج الحدود الليبية؛ وأصبح يصف نفسه بأنه "ملك ملوك أفريقيا" و"إمام المسلمين" و"عميد الحكام العرب"، وأنه "قائد ومفكر أممي".ولم يتورع القذافي عن الانخراط في أعمال العنف والإرهاب، ودعم وتمويل الجماعات الإرهابية، وتدبير الاغتيالات والتصفيات الجسدية، وتتبع وقتل المعارضين، وتفجير الطائرات المدنية، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتشجيع الاضطرابات وتدبير المؤامرات والانقلابات فيها، والدخول في مواجهات ديبلوماسية وعسكرية مع مختلف القوى، واجتياح حدود الدول المجاورة في أفريقيا، وتعريض ليبيا للقصف والحصار والعزلة والعقوبات الدولية، ودفع التعويضات الباهظة، وتبديد ثروات الشعب الليبي وخيراته. وبعد مضي 42 عامًا من انقضاء حكم إدريس الملك الورع؛ تخلص الشعب الليبي والأسرة الدولية من حكم إبليس القذافي المستبد.$ وزير العمل البحريني السابق