الأربعاء 21 مايو 2025
39°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

إجارة المُطْعَم بن عدي والوفاء النبوي

Time
الخميس 18 يوليو 2019
View
360
السياسة
محمد الفوزان

في شوال من السنة العاشرة بعد بدء نزول الوحي خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الطائف، راجياً أن تكون أحسن حالاً من مكة، وأن يجد من أهلها نصرة لله ورسوله، فخرج على قدميه الشريفتين ذهابا وإيابا، والطائف تبعد عن مكةَ أكثر من مئة كيلو مترًا، وكان في صحبته زيد بن حارثة - رضي الله عنه - ولم يترك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحدًا إلا دعاه إلى الإسلام، فتطاولوا‏ عليه وطردوه، ثم أغروا به سفهاءهم فلاحقوه، وهو يخرج من الطائف يسبّونه، ويرمونه بالحجارة، حتى دميت قدماه، وحاول زيد بن حارثة ـ رضي الله عنه ـ أن يحميه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى أصيب في رأسه، ولم يزل السفهاء يرمونهما بالحجارة حتى لجأ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وزيد ـ رضي الله عنه ـ إلى بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة على بعد ثلاثة أميال من الطائف، فرجعوا عنهما.
رجع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الطائف حزينًا مهمومًا بسبب إعراض أهلها عن دعوته، وما ألحقوه به من أذى، ولم يشأ أن يدخل مكة كما غادرها، إنما فضل أن يدخلها في جوار بعض رجالها، وبخاصة أنه حين خرج ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الطائف عزمت قريش على منعه من العودة إلى مكة، حتى لا يجد مكانا يؤويه، أو أناسا يحمونه.
قال ابن القيم: " فقال له زيد: كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟ ـ يعني قريشا ـ قال: يا زيد، إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا، وإن الله ناصر دينه، ومظهر نبيه، فلما انتهى إلى مكة، أرسل رجلا من خزاعة إلى مُطْعَم بن عدي: أدخل في جوارك؟، فقال: نعم، فدعا بنيه وقومه، وقال: البسوا السلاح، وكونوا عند أركان البيت، فإني قد أجرتُ محمداً، فدخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام، فقام المُطعم على راحلته، فنادى: يا معشر قريش، إني قد أجرت محمداً، فلا يهجه أحد منكم، فانتهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الركن، فاستلمه، وصلى ركعتين، وانصرف إلى بيته ومُطعم وولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته".
قال ابن الأثير: " وأصبح المُطعم قد لبس سلاحه هو وبنوه وبنو أخيه فدخلوا المسجد، فقال له
أبو جهل: أمجير أم متابع؟، قال: بل مجير، قال: قد أجرنا من أجرت".
لقد ضرب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أروع الأمثلة في حفظ الجميل والوفاء لصاحبه، فبالرغم من أن المُطعم بن عدي مات كافرا، وأن قبوله إجارة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت له جذور تاريخية وقبلية وهي من عاداتهم، إذ كانت العرب في الجاهلية يمنعون مَنْ حالَفهم أو استَجار بهم ممَّا يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، إلا أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ظل حافظًاً لجميل المُطعم بن عدي وموقفه معه حتى بعد موته على الكفر قبل غزوة بدر، فلما أسَرَ المسلمون في غزوة بدر سبعين من المشركين، قال ـ صلى الله عليه وسلم:"لو كان المُطعم بن عدي حيا ثم كلمني (طلب الشفاعة) في هؤلاء النتنى لتركتهم له" رواه البخاري، في رواية أبي داود: "لأطلقتهم له".
قال الخطابي: " في الحديث إِطْلَاق الْأَسير والْمَنّ عليه مِنْ غَيْر فِدَاء".
وقال ابن حجر في الفتح: " بأنَّ ذلك مكافأة له على يدٍ كانت له عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وهي إمَّا مَا وقع من المطعم حين رجع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الطائف ودخل في جوار المطعم بن عدي، أو كونه من أشدِّ من قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب.

إمام وخطيب
آخر الأخبار