كل الآراء
إخوان سورية... لهاث محموم نحو السلطة مغمَّس بدماء السوريين
الأربعاء 25 ديسمبر 2019
5
السياسة
خالد المطلقلم يكن هدف الإخوان المسلمين يومًا ما سوى البحث عن السلطة، هذا ما أثبتته الأحداث التي رافقت تحركاتهم منذ نشأتهم للسيطرة والهيمنة على السلطة، وبكل الوسائل المتاحة سواء كانت مشروعة أم غير مشروعة، وقد كان لإخوان سورية دور واضح في هذا المجال إذ جعلوا سورية مستنقعا لكل أنواع الجماعات والأفكار الإرهابية التي تستخدم الدين ستارا، لتحقيق أطماعهم، فكانت الجماعة سبّاقة في ترسيخ وممارسة الإرهاب المنظم؛ وتجلى ذلك واضحاً في محاولاتهم إجهاض الثورة السورية بالاتفاق مع أسيادهم في طهران باستخدام كل أنواع الإرهاب ضد الشعب السوري، وثورته طمعاً في مشاركة الأسد في الحكم، ولو بمنصب وزاري هنا أو مقعد برلماني هناك، وهذا ما صرح به أحد قياداتهم على العلن دون خجل أو وجل من الشعب المسفوك دمه على مذبح الحرية.واذا استعرضنا تاريخ الإخوان المسلمين في سورية منذ نشأتهم عام 1936 لوجدنا بداية تدل على عقلية لا تؤمن بقوانين الدولة التي ينتمون إليها فكانت دعوتهم لتشكيل مجموعات غير مرخصة سرعان ما بدأت اتصالاتهم مع التنظيم الأم في مصر والمرشد العام حسن البنا من خلال أول مركز اتصال لهم في مدينة حلب أسموه "دار الأرقم"، ومن ثم تم تأسيس جمعية الرابطة الدينية في مدينة حمص وكان سكرتيرها العام الدكتور مصطفى السباعي، بعدها اعتمد الإخوان مصطلح الشُعب فأسسوا أربع شُعب الأولى في دمشق والثانية في حلب، والثالثة في دير الزور والرابعة في حيفا فلسطين.وفي عام 1939 أسست في حماة جمعية الإخوان المسلمين وكان أحد مؤسسيها الشيخ محمد الحامد الحموي الذي كانت تربطه علاقة وثيقة مع حسن البنا، وفي عام 1943 وفي المؤتمر الذي عقد في حمص اتخذت قرار التوجه نحو العسكرة من خلال إنشاء منظمتي السرايا والفتوة في مراكز المحافظات السورية واللبنانية ومن خلال هاتين المنظمتين حاولت الجماعة فرض إرادتها على الدولة السورية آنذاك وطلبت من وزير المعارف الاهتمام بدروس الدين في المدارس، وتأمين البيئة المثالية لإقامة الشعائر الدينية، وفي المؤتمر الذي عُقد في حلب عام 1945 تم تشكيل لجنة مركزية عليا في دمشق، وتم تعيين أول مراقب عام للإخوان المسلمين في سورية، هو الشيخ مصطفى السباعي، ومن هنا بدأت مرحلة تنظيمية جديدة للجماعة من خلال ظهور منظمة "الفتوة" التي كان مهمتها تدريب الشباب تدريباً عسكرياً مترافقاً مع الالتزام والطاعة العمياء لقيادة الجماعة، ولتكون هذه المنظمة الجناح العسكري للجماعة، كما ظهرت منظمة السرايا ومهمتها تهيئة الطلاب والعمال وأرباب العمل للانضمام للجماعة، وأيضا ظهرت لجنة الإسعاف الطبي والتي كان مهمتها توزيع الرواتب والإعانات العينية على الفقراء. تطور عمل الجماعة لدرجة المشاركة في الانتخابات النيابية، فشكلوا مع حلفائهم كتلة نيابية بسطت من خلالها الجماعة نفوذها على النقابات الحرفية والعمالية والتعليم، وبعد انقلاب حسني الزعيم وكعادتهم هادن الإخوان السلطة الجديدة ومن ثم هادنوا سامي الحناوي بعد انقلابه على الزعيم، وشكلوا مع بعض الجماعات الإسلامية جبهة موحدة أسموها الجبهة الاشتراكية الإسلامية، والتي كانت تدعو إلى تحقيق الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، وبعد انقلاب العقيد أديب الشيشكلي عام 1951 أصدر قراراً بإغلاق مراكز الإخوان المسلمين في سورية، واعتقل قادتها وذلك في 17 نوفمبر ؟195، وعندما قام هاشم الأتاسي بالانقلاب على الشيشكلي كان الإخوان المسلمون في طليعة مؤيدي الأتاسي، لتعود الجماعة لممارسة نشاطاتها إلى أن حدث انقلاب حزب البعث عام 1963، وبعد تسلم حافظ الأسد السلطة عام 1970 بدأ انحسار دور الإخوان المسلمين في سورية، وهنا دخلت الجماعة مرحلة جديدة منقسمين إلى جماعتين جماعة حلب في محافظات الشمال، وجماعة دمشق، وبدأ الصراع بين الطرفين على قيادة الجماعة لكنهما اتفقتا على المواجهة مع نظام الأسد، وبكل الطرق، وكان أهم ركيزة في هذه المواجهة العمل المسلح الذي بدأ يتبلور في أذهان الشباب بعدها، تكشف مخطط الأسد في القضاء على الإخوان، وتلقين من تسول له نفسه الخروج على نظام حكمه درسا، ليبدأ الأسد في إرساء دعائم حكمه عبر التسلط بالحديد والنار، وفرض الأمر الواقع على مؤسسات الدولة السورية، والشعب السوري، وخلال الفترة الواقعة بين عام 1975 وعام 1979 ظهر الشاب عبد الستار الزعيم، وهو أحد قيادات الجماعة ليؤسس تشكيلا عسكريا أطلق عليه "الطليعة المقاتلة"، والتي لم تكن راضية من وجهة نظر قيادتها عن تخاذل قيادات الجماعة، وكانت ميولهم إلى جماعة حلب واضحة، بسبب دعم الحلبيين لـ"لطليعة المقاتلة" بالمال والسلاح والأفراد طمعاً في تحقيق مكاسب في حال استطاعت "الطليعة المقاتلة" زعزعة استقرار نظام الأسد، لكن قيادتها أقنعت عناصر من مكتبي دمشق وحلب بالانسحاب والتوجه نحو الجهاد، مما أدى إلى نشوء صراع مع مكتبي الجماعة في دمشق وحلب، وبهذا بدأ الصراع على قيادة الجماعة، بين جماعة دمشق التي تعتبر أن لها الأسبقية في قيادة الجماعة، وجماعة حلب والتي تشرعن قيادتها للجماعة، من خلال كثرة أعدادها وتواجد مكتب الإرشاد فيها، بينما تتمسك "الطليعة المقاتلة" بشرعية الجهاد الذي يمكن أن يحقق تطلعات الجماعة في السيطرة على الحكم بأسرع الطرق، لكن سرعان ما تلاشى أمل الجميع بعد أحداث الثمانينات، وقضاء الأسد على "الطليعة المقاتلة" وهروب قيادات الجماعة إلى خارج سورية، مخلفين وراءهم كوارث حلت على الشعب السوري بسبب رعونتهم وفكرهم العدواني، وتعطشهم للسلطة، فارتكب الأسد الكثير من المجازر، واعتقل وقتل الآلاف من خيرة شباب سورية، تحت غطاء الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وبهذا قضى الأسد على الكثير من آمال السوريين في تحقيق اختراق ما من أي جهة وطنية في الإطاحة به وبنظامه طوال ثلاثة عقود عجاف مرت على سورية والسوريين.سارت الأمور كما خطط لها الأسد ومشغلوه إلى أن انفجر الشعب السوري في وجه جلاديه عام 2011 في ثورة عارمة لم يكن للإخوان المسلمين أي دور في إطلاق شرارتها، وهذا ما صرح به مرشدهم آنذاك صدر الدين البيانوني على إحدى القنوات التلفزيونية، لكن الإخوان، كعادتهم في استخدام أي طريقة من الطرق والأساليب المشروعة وغير المشروعة لتحقيق حلمهم في السلطة أو مشاركة الأسد في السلطة، انبرت قيادتها بالتغلغل في جسم الثورة، ومؤسساتها مستفيدة من امتلاكهم الإمكانيات المادية، والتنظيمية والدعم اللامحدود من حلفائهم ومشغليهم، إلى درجة السيطرة على مفاصل الثورة السياسية من خلال احتكارهم لقرار الثورة، ومفاصل الثورة العسكرية من خلال تشكيل الفصائل ذات الطابع الجهادي، ليقلبوا ثورة شعب خرج من أجل نيل حريته وكرامته بطرق سلمية إلى ثورة إسلامية سرعان ما وصفت فصائلها بالإرهابية وذلك نتيجة رعاية الإخوان المسلمين وداعميهم لهيئة تحرير الشام "النصرة" وتبادل الأدوار مع هذه الفصائل وفصائل أخرى جهادية وبخاصة "داعش" في قتل قيادات الثورة ومفجريها لتفريغ الثورة من محتواها السلمي.هذه الخدمة العظيمة تم تقديمها للأسد ونظامه وداعميه وعلى رأسهم نظام الملالي في إيران، والذي ثبت أن إخوان سورية هم أحد أهم حلفائه في المنطقة، والزيارات واللقاءات المتكررة لقيادة الجماعة مع الجانب الإيراني باتت واضحة المعالم على الرغم من تكرار إصدار الجماعة لبيانات تنفي هذه اللقاءات، فمن يرضى أن يكون نظام الملالي في إيران ضامنا لاتفاقات الآستانة، لا يمكن أن ينكر الاتفاق معه بالهدف وتصريح نائب مرشد الجماعة في سورية فاروق طيفور على احدى القنوات التلفزيونية، واعترافه بعقد لقاءات ثنائية بين الطرفين، وتفهم ايران واطمئنانها نتيجة القواسم العقدية المشتركة بين الطرفين، اذا ما تم تسليم الحكم في سورية لجماعة الإخوان المسلمين.ويمكن أن نؤكد بأن ما يحصل الآن في إدلب من إبادة جماعية وتدمير وتهجير ممنهج للقرى والبلدات والصمت المطبق من الجماعة، ومؤسسات الثورة على ذلك، وعدم تحرك الجيوش التي شكلها للدفاع عن الشعب السوري الثائر، إنما يدل وبشكل لا يدعو للشك بأن إخوان سورية هم شركاء الأسد ونظام الملالي في إيران في وأد الثورة السورية، وقتل وتهجير الشعب السوري.خلاصة القول إن من يتابع مسيرة الإخوان، قد يصعُب عليه اكتشاف حقيقتهم لاستخدامهم "التقية" في التغطية على أعمالهم وتحالفاتهم، التي لا تخدم إلا مصالحهم الضيقة، بل وبعيدة كل البعد عن مصلحة الإسلام الحنيف وتعاليمه الذي يلبسونه كثوب سرعان ما يخلعونه، اذا لم يتقاطع مع مصالحهم وطموحاتهم، وما تحالفهم مع الجماعات الإرهابية التكفيرية، وتقربهم من مشايخ السلطة إلا دليل واضح على استخدام الإسلام مطية، لتحقيق حلمهم التاريخي في استلام السلطة ولو على بقايا الشعب السوري ودمائه وأنين معتقليه وصراخ مغتصباته.كاتب سوري