الأحد 25 مايو 2025
37°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الافتتاحية

إلى الأسر الحاكمة... اطعم الفم تستحي العين

Time
الاثنين 27 ديسمبر 2021
View
5
السياسة
ثمَّة الكثير من الأنظمة الملكية سقطت في خضم انشغال أسرها الحاكمة بالأمور اليومية، ومزاحمة الناس في أعمالهم وتجارتهم؛ لأن الدولة لم تحفظ كرامة هؤلاء عبر كفايتهم ذاتياً من أموالها، لذا كان عليهم المنافسة، مستندين إلى امتياز أنهم من بيت الحكم، أو الأسرة المالكة، ولعدم التكافؤ بين الطرفين فسدوا وأفسدوا في الوقت ذاته، فكان أن ثارت عليهم الناس، وانتزعت الملك منهم.
لذا فإن الكفاية المالية لأبناء الأسر الحاكمة، كان ديدن الدول التي حافظت على استقرارها السياسي طوال قرون، بل نظمت ذلك من خلال سلسلة قوانين وألزمتها الدساتير بهذا الأمر، لذا رأينا الممالك الأوروبية التي نجت من الثورات طوال ثلاثة قرون، مثل هولندا التي لاتزال تعمل بدستور وضع عام 1772، ورغم كل التعديلات عليه، إلا أن المواد المتعلقة بالأسرة الحاكمة لم تعدل، وكذلك الدنمارك والنرويج، فيما طغيان أبناء عائلة بوربون الفرنسية وعدم الإعداد الدراسي الجيد لهم، ومزاحمتهم الناس في التجارة والأعمال أدت إلى الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، وهو سقوط تحول كأحجار الدومينو متسبباً بإطاحة أنظمة ملكية أوروبية عدة سارت على المنوال الفرنسي.
في المقابل، كانت الملكيات الأخرى أكثر حصافة في إدارة شؤون الأسرة وإبعادها عن الانغماس في التجارة والأعمال والوظائف التي تكون على صلة بالجمهور، فحفظت نفسها واستمراريتها واستقرارها، وكانت في مواجهة الأزمات أكثر قوة من غيرها.
الأسر الحاكمة عبر التاريخ هي رمز شرعية الحكم، ومن استقرارها يستمد استقرار الدولة وتطورها، ولذلك حين يجمع بعض أفرادها بين الوظيفة العامة والمنافسة التجارية فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى ما حذر منه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بقوله: "إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة"، خصوصاً إذا كانت تلك الوظائف حساسة ولها سلطة استنسابية، كالأمن والداخلية، والخارجية والدفاع، والأمن الغذائي، وهو للأسف ما ظهر في السنوات الأخيرة.
في السعودية وقطر والإمارات والبحرين وعمان يستعين الحاكم بمجموعة من الخبراء الأكفاء المحايدين، وغالبيتهم ليسوا من بيت الحكم، بل لا يختار أي مستشار من الأسرة الحاكمة إلا إذا كان يتمتع بدربة وحنكة، وتعليم جيد، وهؤلاء هم الذين يرسمون خطط إدارة أموال الدولة، ويضعون سياساتها، من دون أي محاباة أو استناد إلى وجاهة، ولهذا نجحت تلك الدول في التنمية والتطور، وتغلبت على صعاب كثيرة.
من التقاليد والأعراف المعمول بها في الدول الملكية ألا يحتاج أي من أعضاء تلك الأسر للناس، بل إذا طرق أي مواطن بابه طلباً لحاجة كان بمقدوره مساعدته، ولهذا قيل قديماً: "اطعم الفم تستحي العين"، ولذا تبقى دواوين الشيوخ مفتوحة، أما إذا لم يكن لدى الواحد منهم الكفاية من المال الذي تدفعه له الدولة فسيلجأ إلى أساليب أخرى ويستخدم اسم الأسرة ليفتح الأبواب المغلقة، وعندها يشيع الفساد، من هنا لا بد من حفظ هيبة الأسرة عبر حفظ مكانتها وإبعادها عن مزاحمة الناس بأعمالهم.

أحمد الجارالله
آخر الأخبار