

اتق شر من أحسنت إليه… "إن كان لئيماً"
جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء، وهذا الأمر الطبيعي، جعله الله في عموم بني البشر، لكن هناك فئة شاذة منتكسة، مخالفة للدين والفطرة والعقل، لا ترد الجميل، ولا تعرف للوفاء قيمة، بل إنها كما يقول بعض العوام "تعض اليد التي تمتد إليها"،وتسيء إلى من أحسن إليها، وهذا الأمر لا يتصف به إلا أهل القلوب والعقول السقيمة.
بالمناسبة فإن قول"اتق شر من أحسنت إليه" من الأحاديث الموضوعة التي لا يجب نسبتها إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، لكنها كلمة بالغة الدقة، وفيها من الموضوعية الشيء الكثير، لأنها تحكي حالاً وصورة واقعية لنكران ضعاف النفوس الجميل، وإليكم أمثلة من ذلك: عندما يحسن شخص إلى آخر، ويقرضه قرضاً حسناً، ويطلب سداده، فإنه يجد منه العناء والمشقة في سداد هذا الدين، ولو وصل الأمر إلى أقسام الشرطة، والمحاكم، فقد لا يطول منه شيئاً، بل تسويفاً ومماطلة، وإمعاناً في الأذى.
وكم من شيخ فاضل تلقى العلم عنده "طويلب علم" فقلب له ظهر المجن، وأساء إلى شيخه همزاً ولمزاً، وقولاً وفعلاً، وهناك حالات أخرى لمن يحسن إلى لئيم فلا يجد منه إلا لؤماً وخسة، ونميمة في بيت تعود وأسرته على "البربرة" والنذالة.
وكم من محسن أشفق على ضعيف، وكم من صاحب معروف حن وعطف على صاحب حاجة فمده بالعون والشفاعة، أو الدعم المادي، وتنكر لمعروفه بما ينطبق عليه قول الشاعر:
"إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا"، وهكذا هم اللئام إذا اتجه الإحسان إليهم، ووصل المعروف عليهم، قابلوا ذلك بالإساءة، ونكران الجميل.
وإنني هنا لا أيَئّس الناس من عمل المعروف، وتحجيمهم، وتثبيطهم، لكنني أؤكد على أن فعل الخير والمعروف والإحسان، كما هو يتطلب الصبر في حال أدائه، ويتطلب الصبر أيضاً بعد الفراغ منه، تعظيماً للأجر، وزيادة في البلوى، فإن لم يحصل الشكر فقد يكون ما هو أسوأ منه، لكن أصحاب الهمم العالية، العاملين لوجه الله، لا ينتظرون جزاءً ولا شكوراً من الخلق.
لايضرهم المخذلون والمتنكرون، فيردون عليهم، ويقابلون إساءاتهم بالإحسان، وفعل اللئام لا يفل عزيمة أهل الهمم العالية، والخصال الحميدة، وأصحاب المعروف في أن يبذلوا معروفهم، ويواصلوا عطاءهم، لأن عملهم لله وفي الله، وابتغاء مرضاته، فشتان بين الكرام وبين اللئام؛ فيا أيها المحسن، صاحب المعروف، لا يضرك غمط من غمطك، ولا جحود من جحدك، واحمد الله أنك صاحب اليد العليا، واعلم أن الله أجرى على يديك الخير ليعطيك الدرجات العليا في الجنة، وسلّط عليك مَنْ أكرمته ليرفع مقامك عند الله،لأن عملك لله ـ عزوجل ـ ولمرضاته لا لمرضاة الناس؛ إذ رضى الناس غاية لا تدرك، فعمل الخير وصف لك بأنك من الأخيار، وإنكار المعروف دليل على الحمق، وعلامة الإخلاص عمل الخير مع أهله ومع غير أهله، لأن الإنسان الكامل مفطور على الرحمة، كما هي الحال في سيرة نبي الرحمة (صلى الله عليه وسلم)، فقد أحسن لمن أساء إليه عند المقدرة "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
كاتب سعودي
سلمان بن محمد العُمري