الاثنين 12 مايو 2025
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
المحلية

الأدب العُماني في المدونات القديمة... حضور خافت لقلة المصادر

Time
السبت 08 يناير 2022
View
30
السياسة
كويتيات عُمانية

الحلقة السابعة والأخيرة

الدراسات الأكاديمية في مطلع الثمانينات أغفلت عُمان لعدم سعي المؤلفين للوصول إلى منابع الفكر العُماني

كتاب "الأدب في الخليج" لعبدالرحمن العبيد كان نصيب عُمان فيه باهتاً عدا تراجم للشاعر هلال بن بدر

"أدباء من الخليج" لعبدالله الشبّاط كتابٌ توثيقيٌّ تناول ثلاثة شعراء عُمانيين


كتب - د.محسن بن حمود الكندي:

تبوأت سلطنة عمان مكانة كبيرة في الصحافة الكويتية منذ بزوغ فجرها في عشرينات القرن الماضي وحتى اليوم، تجسد ذلك في نشر فيض كبيرمن أخبارها وحوارات أدبائها وأنشطة مثقفيها وسياسييها وجوانب من نهضتها وتراثها وفكرها في المجلات والصحف الصادرة أنذاك ولم يتوقف هذا التواصل الفكري والصحافي على مرحلة بعينها بل ظل ذلك ممتدا حتى اليوم.
الاهتمام الكبير الذي نالتة عُمان في الصحافة الكويتية يبرز حرص واهتمام الكويت وشعبها بسلطنة العز حضارة وشعبا وتاريخا، هذه السلسلة من التواصل الفكري تستعيدها "السياسة" في حلقات بمناسبة ذكرى عيد السلطنة الـ51، وفيما يلي التفاصيل:

حضرتْ عُمان منذ طلائع القرن العشرين في المؤلفاتِ التاريخية والثقافية المُبكرة وكانت هذه المؤلفات نواة تؤطر مبدأ الوحدة السياسية التي أطَّرها - فيما بعد - نشوء مجلس التعاون لدول الخليج العربية بما قام به دعم وموآزرة ثقافية أتت أكلها على مدى أربعين عاماً.
ومع أن حضور عُمان في هذه المؤلفات كان باهتاً غيرَ مكثفٍ إلا أن ذكرها ولو عابراً مثـَّل أهمية في التاريخ الثقافي لقُطرٍ بات يخطو في سُلَّم الحضارة الحديثة بخُطى سريعة ونشاطٍ منقطع النظير، ولعل كتب الأستاذ عبدالله الطائي " ومؤلفاته الصادرة في أواخر الستينيات ومطلع السبعينات من القرن العشرين من مثل: " الأدب المعاصر في الخليج العربي" كانت فتحاً كبيراً لهذه الدراسات الخليجية، وأسهم في خلق تحفيزٍ ولفت انتباه الاهتمام نحو أدبِ وثقافة عُمان.
ورغم وجود هذا الكتابِ المرجعي إلا أن الدراسات الأكاديمية المتخصصة التي جاءت بعده بعقد كامل أي في مطلع الثمانينات من القرن العشرين وما تبعها من حقبة التسعينيات وقد أغفلت عُمان أيضاً، ولم تتناولها باتساع رغم ظهور نجمها وسطوع حضارتها وبروزها أمام مرأى الأعين والعقول، ربما لعدم توافر المادة المعينة وعدم سعي المؤلفين الحثيث إلى التواصل مع منابع الفكر العُماني، ينطبق هذا الطرح على الدراستين الأكاديميتين الشهيرتين في ثقافة الخليج وهما:-
- تاريخ الصحافة في الخليج العربي للدكتور هلال الشايجي الصادرة في طبعتها الأولى عن منشورات بانوراما الخليج سنة 1986.
- القصة القصيرة في الخليج العربي، للدكتور إبراهيم غلوم الصادرة عن مطبعة الإرشاد ببغداد 1981م.
ويستثني من تلك الكتب الأكاديمية الأطروحة المميزة للكاتبة الكويتية الدكتورة نورية الرومي " المعنونة بـ " الحركة الشعرية في الخليج العربي بين التقليد والتطّور: الصادرة في الكويت عام 1981 " وقد عَمِدَت فيها الكاتبة إلى دراسة أدب منطقة الخليج العربي بوصفه نتاج بيئة واحدة، إلا أن الباحثة اقتصرت على تناول شعر البحرين والكويت، وأبقت شعر عمان رغم كثافته وتألقه وجودته ونقائه بعيداً عنها، ونستثني من ذلك بعض الإشارات الطفيفة التي وردت على استحياء وتناولت بالوصف شعر الشاعر أبي الصوفي، والغزل عند الشاعر عبدالله الخليلي.
وبغض النظر عن عدم تكثيف الحضور العلمي لشعر عُمان، فإن بعض المحاولات التاريخية حاولت أن تضع عُمان موضع الحضور ولو بقدر يسير من الإشارة إلى اتجاهات أدبها وأعلامه وقضاياه وخصائصه الفنية والموضوعية ويمكن تناول هذه المحاولات من التمثيل بالمؤلفات المبكرة الآتية:

عبدالرحمن العبيد
1 – كتاب "الأدب في الخليج العربي" للأستاذ عبدالرحمن العبيد الصادر عن مطبعة الإنشاء بدمشق 1957م، ويكاد يكون من أقدم المؤلفات في حقلها، وقد دفعت الكاتب عوامل ندرة الكتابات وقلتها في تلك المرحلة المبكرة وساقته قدماه إلى مجموعة من المصادر والمراجع الكافية إلى تقديم قراءة أولية عن أدب الخليج وخلقت في نفسه رغبة الكتابة وترجمة الأدباء؛ لأسباب نفسية، وأخرى تتعلق بمطالب القراء والمتابعين لمقالاته التي كان ينشرها في مجلة " الاشعاع".
تناول المؤلف في هذا الكتب فيضاً من المعلومات الخاصة بأدب الخليج بدأها بمحاضرة لأحد الأدباء حول الحركة الأدبية قديمة خص فيه الأدب الخليجي في العصر الجاهلي وعصور الإسلام اللاحقة كالعصرين الأموي والعباسي، وكان نصيب عُمان باهتاً، إذ لم يقف على نماذج لها ولا على ذكر مفصّل لأدب عدا تراجم ونموذج شعري للسيد هلال بن بدر يتكون من أربعة أبيات لا نعلم من أين نقلها ونصّها يقول ص 112:
أوقفتُ للفنِ إحساسي وأفكاري وصُغْتُ من دررِ الألفاظِ أشعاري
وجئتُ منها بما تصبو القلوبُ له عذبَ الموارد مثل السَلسَلِ الجاري
والشعرُ إن لم يكنْ من فيضِ عاطفةٍ كبا بقائله في كلِّ مضمارِ
حسبي من الشعرِ ما يسمو الخيال به لكلِّ معنى بديع اللفظِ سيَّار
ومن الملاحظ أن مؤلف هذا الكتاب التوثيقي المبكر لم يفصل شعراء إمارات الساحل العُماني عن شعراء عُمان، فحضر في أول تراجمه ص 81 الأمير صقر بن سلطان القاسمي واعتبره الشخصية العربية في أسمى معانيها ونبلها، فهو درة غالية وهبها الزمن في بيئة جاهلية، فأكرم به من درة عربية نرجو أن تضيء روابي عُمان وصياصيها التي ما برحت في جهلها المطبق".
كما يحضرُ من شعراء إمارات الساحل أيضاً خلفان بن مصبح الذي لم يترجم له إلا بأسطر ثلاثة لا معلومات توثيقية فيها، والحال نفسها تنطبق على تراجم الشعراء عمان المنتمين إلى الداخل العُماني من مثل: محمد بن شيخان السَّالمي وجمعة بن سليم الحارثي، وهلال بن بدر البوسعيدي، في إشارات خاطفة لا ترجمة فيها تبرز أسماء ناصر بن سالم بن عديم الرواحي، والشيخ محمد بن سالم الرقيشي، ومحمد بن عبدالله السَّالمي، والقاضي حمد بن عبدالله السالمي والمفتي إبراهيم بن سعيد العبري.
ويبرر الكاتبُ عبدالرحمن العبيد قلة شعراء عُمان الذين ترجم لهم بقلة حصوله على مصادرهم؛ لبعد الشقة، وقلة الروابط التي تربط عُمان ببقية دول الخليج في ذلك الوقت، وكلُّ ما حصل عليه هو نتيجة البحث الميداني والمكاتبات والاستفهام الشخصي كما يقول.
وأيّا كان جهدُ الكاتب موفقاً في تقديم شعراءُ عُمان إلا أن قيمة عمله تكمن في كونه أشعل شرارة البحث المبكر، وكان قلمه مقدمة للكتابات اللاحقة التي عالجت القضايا والاتجاهات وحللت المضامين ووقفة على الخواص الفنية وبنية القصيدة وأساليب كتاباتها وتحولاتها.
2- لمحات من الخليج العربي وهو كتابٌ تعريفيٌّ مبكر يقع في 176 صفحة من الحجم الصغير، وأصله كما يقول مؤلفه المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري " مجموعة من المقالات والدراسات تناول فيها جوانب من تاريخ المنطقة الخليجية وأقطارها وعدداً من أعلامها البارزين في مختلف المجالات الثقافية، وقد صدر الكتاب عن الشركة العربية للوكالات والتوزيع بالبحرين في أبريل 1970م.
انطلق الكاتب في أهدافه من بعدٍ قوميٍّ كان رائجاً ومسيطراً على عقلية كثير من كتاب ومبدعي المرحلة ألا وهو وحدة الخليج وعلاقته المباشرة بالعروبة انطلاقا من ثوابت مؤصلة لا تقبل المساومة، والهدف الأبعد من هذا الكتاب هو أن يعرف العرب خليجهم ليبقى عربيًّا معرفة حميمية.

التاريخ الثقافي
وكان نصيبُ عُمان من هذه الكتاب المَعني بالتاريخ الثقافي والحضاري مبحثاً مختصراً تناول فيه أسماه بعض رجال الثقافة، وفيه أشارعابراً إلى أسماء حملت الفعل الثقافي والشعري من مثل: الشاعر ابن شيخان، والسيد هلال بن بدر، و ناصر الرويحي (أبو مسلم)، وجمعة بن سليم، وعبدالله الطائي الذي خصّه بتعريف موجز أكثر من غيره انطلاقاً من معرفته الشخصية به،فقد بين أنه شاعر وأديب وصحافي ومعلم وفد إلى البحرين في الخمسينيات وعمل مدرساً في مدرسة الهداية الخليفية، وأنه مشاركٌ نشط في فعاليات الأندية، وكاتب بارع في الصحف وبالذات في مجلة "صوت البحرين " ويتصف إنتاجه الأدبي بصفاء الحس العربي وبوضوح الفكر، وقوة اللغة...".
ومن جانب آخر نلاحظ في هذه الإشارات العابرة أن الأنصاري لم يتجاوز ما قدَّمه عبدالرحمن العبيد دون إضافة ودون أن يكلف نفسه عناء البحث والسؤال، ولعله كان مدفوعاً بالبعد الجغرافي وقلة المصادر. ورغم ذلك يبقى الكتاب بما تناوله يمثل لبنة علمية من لبنات التأليف المبكر عن منطقة الخليج وإن أخذ نظرة الملامح السريعة، وحسبه أن حرّك الأقلام ولفت الانتباه إلى الواقع الثقافي والحضاري للمنطقة بأسرها.

أدب المرأة
3 -"أدب المرأة في الخليج العربي" للكاتبة الكويتية ليلي محمد صالح، وقد صدر في طبعته الأولى عن دار ذات السلاسل بالكويت، 1985، وقد عَرَّفت فيه بثلاث عشرة شخصية نسائية عمانية من بينهن ثلاث شاعرات هن: سعيدة بنت خاطر الفارسي، وعائشة بنت عيسى الحارثي، وتركية البوسعيدي.

عبدالله الخليلي
4- "شعراء من الخليج والجزيرة العربية": للأستاذ أحمد الجدع، وقد صدر في طبعته الأولى عن دار الضياء بالأردن، 1985، وتناول فيه شاعرا عمانيًّا واحداً هو الشيخ عبدالله الخليلي الذي يعدُّه الشاعر العُماني الأول، وقد تناوله في خمسة وسبعين صفحة من كتابه، ثم فصَّله في كتاب جزئي استله دون إضافة وصدر في طبعة جديدة عام 2006م، وقد اعتنى الكاتب فيها بوصف بيئة الشاعر الجغرافية والتاريخية لوطنه، فذكر جانباً من علمائه وفقهائه، ونُحاته، وأدبائه، وقد استغرق منه سرداً يمتد من الجاهلية إلى عصر الشاعر المعاصر، وكان يسرد كل ما يعلمه أو يسمعه دون تمحيص أو فرز، اعتقاداً منه أنه يكتب عن بيئة لم يطأ ساحتها أحدٌ قبله.
لقد فصّل الكاتب حياة الخليلي تفصيلاً وربط بين شعره وواقعه المعاش، فتطرق إلى مولده وأسرته وكيانه القبلي،وانتماءاته الاجتماعية، ولم ينس وظائفه التي شغلها في وطنه، والحياة العلمية التي ارتبط بها.
ويعزو الكاتب انغلاق شعر الخليلي على المواضيع التقليدية في المديح والرثاء والفخر إلى عدم انفتاح بيئته وتموضعها في حدود جغرافية وزمانية واحدة، وتلك نظرة محدودة فالخليلي جدد قوالب الشعر وطرق مواضيع غير تقليدية على نحو ما رأينا في ديوانيه "على ركاب الجمهور" و"وحي النهى"، وكانت رؤيته للشعر الجديد متقدمة برؤية أقرانه رغن أن الأذن العُمانية لم تكن تتعوّد على النغم الايقاعي الجديد بل ألفت تفعيلات الشعر التي اخترعها الخليل الفراهيدي العُماني.
يستطردُ الكاتبُ كثيراً في عرض أغراض شعر الخليلي هو يستشهد لكلِّ غرضٍ على حده بمقطوعات وأبيات مفردة كثيرة مما جعل دراسته لا تخرج عن وصف إطاري مقيت يقرأ التجربة من علٍ ويلامس حوافها دون الدخول في عمقها رغم أن أغراض الخليلي خصبة بالرؤى الفلسفية وقابلة للقراءة المعمّقة، وعلى ذلك بدت القراءة استعراضية لا غير يستوي ذلك في الغرض الإسلامي كما يسميه تجوزا وهو في الحقيقة شعرٌ ديني مذهبي إباضي، وكذا شعر التصوف وهو شعرٌ سلوكي كما يطلق عليه الإباضيون، والحال نفسها تنطبق على سائر الأغراض التي استشهد لها كشعر الرحلات والمديح والرثاء والشعر السياسي الوطني والقومي وغيرها.

أدباء من الخليج
3- كتاب "أدباء من الخليج العربي"، للأستاذ عبدالله أحمد الشبّاط، الصادر في الدار الوطنية الجديدة بالمملكة العربية السعودية، 1986م، هو كتابٌ توثيقي قدّم فيه مؤلفه ثلاثة شعراء عُمانيين فقط هم: عبدالله الخليلي، وعبدالله الطائي، وهلال بن بدر، ولعله تأثر بالكتب التعريفية التي صدرت عنهم ولاسيما كتاب الأستاذ عبدالله الطائي " الأدب المعاصر في الخليج العربي"، فلم يقدّم إضافة وثائقية سوى لوازم إنشائية وعبارات متنوعة المشارب تطال جميع المواضيع والأفكار التي تنصّب في فكر الشخصية المترجم لها وحراكها الاجتماعي وليس إبداعها الشعري، كما يتوقف عند رأيه في الأدب العُماني ونصائحه للشعراء المبتدئين.
وتعتبر تلك الآراء شهادة شاعر مجيد على العصر الذي وجد فيه، إذ يقول" إن الأدب العُماني آخذ في الازدهار بعد أن اتسعت رقعة التعليم... وبعد أن أزيلت حواجز العزلة المضروبة حول المجتمع، وعلى الأدباء أن يبذلوا جهدهم في علم اللغة العربية وتثبيت الأقدام؛ لأنه لن يكون للشعر قيمة معنوية ما لم يكن على مستوى رفيع من اللغة، فاللغة هي الهيكل الذي يضم الروح، وهي القالب، وهي المظهر وهي الأساس في الأدب".
ويتميز مقال الأستاذ حسين الشبَّاط بالتركيز والانتقال السَّلس في الأفكار ومحاولة الإحاطة بالشخصية من جميع جوانبها مع ربط إنتاجها بمؤثراتها ومرجعياته، وهو منهج واقعي تاريخي مؤصل في الكتابة العربية، كما يتميز بحسن الانتقاء لجواهر شعر الخليلي وليس أبدع مما انتقاه له قوله واصفا عُمان وطنه:
وسَلْ عُمان وقد سالت مواهبُها على البسيطةِ سَلْهَا بالهوى الغالي
سَلْهَا عن العلم في إحياءِ دوحتها سَلْهَا عن الشعر سيَّلا كسلسال
وارسم شقائق نعمان بخارطة في صفحة الميم قبل الجيم والدال.
أمَّا ما يخصُّ مقاله عن السيد هلال بن بدر البوسعيدي، فهو لا يختلف عن سابقه، إذ إن الكاتب استلهم المنهج الاجتماعي الواقعي في وصف الشاعر وبيان شعره وذكر مواقفه واختيار نماذج من أغراض شعره، كل ذلك جرى بلغة سلسلة وبعبارات مركزة أحيانا، فجاء في خمس صفحات ونصف ( 328 – 333) ابتدأها بسرد ظروف نشأة الشاعر وسط بيئة برجوازية تحيل إلى انتمائه المباشر للعائلة البوسعيدية الحاكمة فيقول عنه " لقد أتاح له مركزه من العائلة الحاكمة أن يكون قريباً من الإدارة ليطلع على كلِّ الأمور خالية من التخييل والتخمين، ثم يتطرقُ إلى منتقيات شعره فيختار له شتى المقطوعات شدني منها قوله في المديح السياسي:
سأطرقُ باباً في المديح جديدا وأنظم ُعقداً للزمان فريدا
وأصقلُ درًّا لو تحلَّت ببعضه نحوُر العُلى حنَّت تريد مزيدا
وفي الغزل يقول:
أنا عبدُ الجمالِ في كلِّ دورٍ من حياتي وإن زكتْ أعراقي
غيرَ أني حررَّت نفسي منه حين شابتْ مفارقي ورفاقي
هذان النموذجان وردا ضمن سياقات شعرية استشهد بهما الكاتب وأراهما من عيون شعره؛ لأنهما محملان بوهج الشعر وروحه وعمقه وعبّر عن عصارة رؤيته التي تلهب مشاعرمتلقيه، إنهما درتا قوله النظمي، وجوهر عقد تجربته الشعرية.

عبدالله الطائي
وبالنسبة للشاعر عبدالله الطائي فقد جاء موسَّعاً بعض الشيء مقارنة بسابقيه للشهرة التي يتحتلها الطائي بين شعراء وطنه في تلك المرحلة المفصلية، من تاريخه؛ لهذا جاء تقديمه تقديم مفضٍ بذكر ملامح شخصيته وفكره وطرائق تفكيره وأهدفه.
ويتتبع الكاتب خطى حياة الطائي في الدول التي عاش فيها بدءا من البحرين مروراً بالكويت والامارات، وفي كلِّ محطة من هذه المحطات يستشهد بمقطوعات من قصائده لعل أهمها ما ودَّع به الطائي البحرين حيث قال:
وداعاً وإن كان الوداعُ تألُّما وصبراً وإن كان اصطباري علقما
وداعاً بلاد العرب لا القلب مسعف ولا النفس ترضى لا والا الخطو أقدما
وكذا الحال يورد الكاتب ما ودعت به الكويت الطائي ممثلا في رابطة أدبائها التي أقامت له حفلاً كثرت فيه القصائد والكلمات
بني الكويت سلاماً عاطراً عبِقاً ممن يرى حبكم من واجبِ السُّننِ
إذا نأيتُ ففي قلبي مآثركمْ تشاركُ الخفقَ في عَدٍّ وفي يَقَنِ
ولم ينس الكاتب أن يرصد للطائي مواقف من فكره ممثلا في نقده الانطباعي الوصفي الوارد في كتابه " الأدب المعاصر في الخليج العربي" وفي بعض مقالاته التي كان يكتبها تباعاً في صحافة الخليج والوطن العربي، وهي مقالات أسهمت في انعاش الحركة الأدبية في الخليج وخلقت طابعاً تجديديا لم تعتد عليه الذائقة الثقافية في دول الخليج، فكان مجددا في شعره ومتنوعاً في نثره.

نورية الرومي
5-"الحركة الشعرية في الخليج العربي "للدكتورة نورية الرومي، وقد عمدت الباحثة إلى دراسة أدب منطقة الخليج العربي بوصفه نتاج بيئة واحدة تشابهت ظروفها، وصدرت عن موروث شعري واحد، وقد انتهت إلى دراسة هذا الشعر دراسة تحليلية، غايتها رصد قضاياه، والكشف عن قيمه الفنية، وإظهار ملامح تطوره، ومن ثم كان من الطبيعي أن تتوصل إلى تيارين فيه هما: تيار التقليد وتيار التجديد، إلا أن الباحثة اقتصرت على تناول شعر البحرين والكويت وبقي شعر عمان بعيدا عنها، ونستثني من ذلك بعض الإشارات الطفيفة التي وردت على استحياء اسم الشاعر: أبي الصوفي.
6ـ دراسات في الأدب الخليجي سمات أصالته وقضاياه وأعلامه، وهو مقالٌ تأصيلي مستوحى مادته من المصادر الأصيلة التي غاص فيها كاتبه للدكتور علي عبد الخالق، وقد نشرته مجلة " الغدير " في عددها الثاني والخمسين الصادر في شهر أبريل 1982، وقد تناول فيه الإطار المادي لثقافة الخليج وأثرها في أدبه، وتطرق إلى المرجعيات التاريخية والجغرافية التي ينطلق منها أديب هذه المنطقة، ثم يعرج إلى الأنماط، والسمات والأعلام، ولعله من أكثر الدراسات التي تناولت أدب عمان، فقد تطرق إلى قصة عمان في المدونات القديمة وأسماء خطبائها وشعرائها ونماذج من إنتاجهم من ذلك قوله: " وليس معنى ذلك أن الأدب الخليجي كان ذا طبيعة خاصة عزلته، أو انتحت به جانباً عن الوجدان العربي، وروح القومية وتمثله للآمال، والطموحات العربية، ذلك أننا ونحن بصدد دراسة الأدب الخليجي يتجلى لنا مدى اختلاطه بوجدان الأمة العربية كلها من أقصاها إلى أقصاها، وصدوره عنها في كلّ آلامها وآمالها، وفي الانصهار مع الأحداث التي تلاحقت على الأمة العربية، والانفعال بها منذ مطلع القرن الميلادي التاسع عشر، وكانت الرؤية القومية واضحة أمام شعرائه...".

تباين شديد
يتضحُ مما سبق أن الدراساتِ الأدبية التي ظهرت في منطقة الخليج في هذه الحقبة التكوينية الأولى تتباين تبايناً شديداً من حيث الموضوع، وطرق البحث، وأسلوب التأليف، ومنهجية التناول، وهي في جوهرها العميق تتبني فكرة مركزية قوامها تشابه في وحدة الأهداف والتطلعات؛ فهذه الدراسات تنظر بصورة أساسية إلى مظاهر التطور التاريخي الذي مّرت به منطقة الخليج بما يمثله من أسس التقارب والتفاعل التي تجعل من هذه المنطقة وحدة متكاملة لا تقبل التجزئة، ولهذا بدت في مظهرين اثنين هما:
المظهر الأول: أن هذه الدراسات الأدبية لم تظهر قبل نشوء السلطنة الحالية "أي قبل عام 1970) وكل ما صدر قبل ذلك لا يعدو أن يكون دواوين ومقالات، وخواطر. أمّا الدراسات الأدبية العميقة والشاملة، فقد بدأت في النمو عقب هذا التاريخ، وما يزال مدّها آخذا في الاتساع.
المظهر الثاني: أن هذه المؤلفات مرّت بمرحلة هي الأقرب إلى التعريف المقتضب الذي لا يراد منه سوى إكمال صورة الأدب في منطقة الخليج، والذي تأتي عُمان في أطرافه، الأطراف التي نعنيها هنا المرادف للمراكز؛ فعُمان تأتي متأخرة في هذه المؤلفات، وأحيانا لا ترد فيها على الإطلاق، وتقّدم كلاً من الكويت والبحرين والسعودية على أنها النموذج الأول الذي يحظى بالعناية في أدب المنطقة، ويعزو المؤلفون ذلك إلى أن إنتاج عُمان الفكري ما يزال مجهولا بحكم العزلة التي عاشتها عمان وقت كتابة الدراسات، وهذا عذر غير مقبول ؛ إذ إن من سنن البحث والكتابة السعي للحصول على المصادر من منابعها وأمكنتها، يستوي هذا الحكم إذا عرفنا أن بعض الدراسات ظهرت خلال نهضة عُمان الحديثة.
1- إن إلقاء نظرة شاملة على هذه الدراسات تدفعنا إلى تبّين حقيقتها الماثلة في النوعين المعروفين التطبيقي، والتحليلي والتوثيقي، وهما لب البحث العلمي وعمقه أبداً فبعض الدراسات وإن تطرقت إلى عمان تاريخا وأدبا لكنه أعطت مساحة التحليل للنظير الآخر متخذة حقيقة المماثلة والتشابه من منطلق نظرية الاشباه والنظائر، لهذا لا نعدم من القول بأن مساحة الحضور العُماني قلب معادلة القيمة لثقافة عميقة مؤثرة يفترض أن يكون لها مكان الصدارة، هذا ينطبق على كتاب "دراسات في الشعر العربي المعاصر في الخليج...للدكتور محمد عبدالرحيم كافود، والأدب في الخليج العربي دراسات ونصوص للدكتور وليد خالص، فرغم جودة تناولهما للأدب الخليج إلا أن فكرة المقارنة قللت من الحضور العُماني، ولعل ذلك يعود لقلة المصادر العُمانية فيها.

أكاديمي وكاتب عماني

الهوامش التوضيحية

بعض ما ورد في هذا المقال مستلٌّ بالتصرف من كتابنا " الشعر العماني في القرن العشرين " ط1، دار الينابيع، سوريا، 2007، ص، وبالتالي فإن مراعه ومصادره يمكن الرجوع إبها في هذا الكتاب.
-1 يبدو أن اهتمامها بشعر الشيخ عبدالله الخليلي جاء نتيجة قراءتها للشعر العُماني إثر زيارتها الأولى لعُمان على نحو ما أوضحت في لقائها مع محرر مجلة الغدير، العدد 74، مارس 1984 م، ص 9. حيث أشارت إلى " أنها جاءت إلى السلطنة لإكمال النقص في دراستها عن الأدب العماني بعد اقتصارها على أبي الصوفي، وأنها زارت السلطنة لأول مرة في أكتوبر 1983 م، و ألقت محاضرة بجمعية المرأة العمانية بعنوان " ظواهر فنية في غزل الشاعر عبدالله الخليلي ".
-2 صدر في طبعته الأولى عن جامعة الكويت عام 1980في 511 صفحة، ثم في طبعته الثانية عن = يتبع دار النهضة عام 1989 في 520 صفحة.
-3 يمكن تبين ذلك من قائمة المصادر التي اعتمدت عليها الدراسة وضّمت (34 ديوانا) منها: (15 ديوانا كويتيا) و(12 بحرينيا)، وخمسة دواوين من السعودية، وديوانا واحدا من عمان وآخر من قطر، ولا يوجد أي ديوان من الإمارات.
-4 من بين تلك الإشارات ثلاث إشارات وردت عن الشاعر: أبي الصوفي ص 12.
آخر الأخبار