السبت 16 أغسطس 2025
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

الأزياء الأندلسية... العمائم للرجال والمناديل للنساء

Time
السبت 18 مايو 2019
السياسة
العمامة جنة في الحرب ومكنة من الحر ومدفأة من القر ووقار في الندى

إعداد - محمود خليل:

يقول الفقيه المحدث أبوالعباس القرطبي الأندلسي في كتابه "شارح مختصر صحيح البخاري ومسلم"، عن أسباب سقوط الأندلس في يد الصليبيين" إنما كان ذلك لشيوع الفواحش منهم بالإجماع؛ من شبانهم بالفعل وشيوخهم بالإقرار، فسلط الله عليهم عدوهم إلى أن أزالهم بالكلية".
هذا ما حدث في الأندلس بالفعل حينما بدأ المسلمون دخولها، كانت بداية دخول المسلمين إليها هي الأسباب نفسها التي أدت إلى خروجهم منها، ليصدق قول الله تعالى في الخلق من الدول والإنسان "كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ"(صدق الله العظيم).
إن الانحلال والتفكك السياسي في الأندلس، بعد الخلافة الأموية بقرطبة، أنشأت ممالك طوائف متعددة، يستقل فيها الحكام بما كانوا يحكمون، تتنافس بينها، فأتاحت الفرصة للصليبيين للإغارة على تلك الممالك واحدة تلو أخرى حتى تم طرد المسلمين من بلادهم.
هذه الدراسة ليست تأريخا لوجود المسلمين في الأندلس، أي أنها ليست دراسة سياسية تهتم بكيفية الفتح، انتصارات المسلمين، سيرة و سياسة الحكام والملوك، لكنها إطلالة على المخفي أو ما لا يعلمه كثيرون عن حياة المجتمع الإسلامي في الأندلس، إنها دراسة عن الإنسان الأندلسي المسلم.
اهتم الباحثون في تاريخ الحضارة والمجتمعات الإنسانية اهتمامًا كبيرًا بدراسة الألبسة والأزياء باعتبارها مقياسا للمستوى الذي بلغته الحضارة المادية من تقدم أو تأخر في حقب التاريخ المختلفة أو ما أصابته هذه المجتمعات الإنسانية من ازدهار اقتصادي أو تدهور.
كان نصيب العصر الإسلامي من هذه الدراسات عظيماً بفضل بعض المصادر العربية، فكتب التراجم والطبقات والمعاجم اللغوية وفرت مادة علمية غزيرة فيما يتعلق بالألبسة الرجالية والنسائية وأدوات زينتهن.

أناقة المرأة
كانت المرأة الأندلسية تهتم بأناقتها وملبسها لذا لبست الحلي عرفت الرداءة والملاءة والشفوف المنسوجة بالذهب الخالص، لبست القرطف "نوع من الملابس القصيرة"ووضعت على رأسها العصائب المرصعة بالجواهر المنسوجة من الذهب المكللة بالمرجان.
كما تمتعت بذوق رفيع ومتميز في ملابسها وحليها وكانت شديدة الولع بالزينة التي دفعتها إلى التأنق فنقشت خدها بنقوش تظهرها أكثر فتنة، تفننت في الوشم والخضاب لبست الدملج كما كانت تضع "المنديل"، أو الـ "أَتَازِيرْ" على رأسها خاصة الريفية، ما زالت الحائكات يصنعنه في بلاد المغرب حتى اليوم.
من يشاهد النساء المغربيات والتونسيات والجزائريات بزيهن التقليدي العتيق، يتذكر على الفور نساء الأندلس مما يؤكد أن البصمة والثقافة الأندلسية، فيما يخص الأزياء، ما زالت موجودة وصامدة في وجه التغيرات من حولها، صامدة لم تندثر، للتشابه الكبير بين أزيائهن، بل إن النساء من سرت حتى الأطلسى يكاد لبسهن يكون واحدا.
هذا الزي الأندلسي انتقل إلى بلاد المغرب مع من هاجر من الأندلسيات عقب إجبار المسلمين على الرحيل من بلادهم ويتكون من قطعة قماش تلف جسد المرأة، فتغطيها من الخصر إلى القدمين تكون عادة بخطوط عمودية متوازية، حمراء وبيضاء وحمراء وسوداء وبيضاء وزرقاء، يوضَع معه حِزام عريض يلف عدة مرات حول الخصر، يسمى "الكرْزيِة"، وتعتمر كل النساء بقبعة مُزَرْكَشَة الألوان على الرَّأس تتدلى عليها عُقَد تجميلية وتُطلِق عليها النسوة اسم "الشَّاشِيَّة".
ورغم أن البعض يرى أن هذا اللباس انتقل إلى الأندلس مع الأمازيغ، إلا إنه لا يوجد دليل واحد على ذلك، خاصة أن سكان الأندلس، أثناء الفتح الإسلامي وبعده كانوا من خليط غير متجانس من العرقيات المختلفة وكان الأمازيغ أحد تلك المكونات انصهرت في بوتقة "الأندلس" فظهرت الشخصية الأندلسية المختلفة من جميع النواحي، ومنها ثقافة الملابس وطريقة ارتدائها.

تيجان العرب
يذكر ابن سعد في كتابه "الطبقات الكبرى"، أسماء كثير من الألبسة العربية التي كان يلبسها من ترجم لهم من الصحابة والتابعين، كما ذكر ذلك أبو الفرج الأصفهاني في كتاب "الأغاني"،ابن منظور في كتابه "لسان العرب"، الذي أورد بعض التفاصيل عن شتى أنواع الألبسة.
اشتهرت العمائم بأنها "تيجان العرب"، لبسها سادتهم في الجاهلية والإسلام، وكانت تعرف أيضاً بـ "التاج" و"العصابة"، فالعصابة والعمامة سواء، ويذكر ابن قتيبة فوائد جمة للعمائم في قوله:
"قيل لأعرابي إنك تكثر لبس العمامة"، فقال: "إن شيئاً فيه السمع والبصر لجدير أن يوقى من الحر والقر".
يقول أبو الأسود الدؤلي عن العمامة: "جنة في الحرب ومكنة من الحر، ومدفأة من القر، ووقار في الندى، وواقية من الأحداث وزيادة في القامة، وهي عادة".
وتنقسم العمائم إلى أنواع عدة تشير إلى المكانة الاجتماعية لمن يلبسها، فعمائم الخلفاء تختلف عن عمائم العلماء، ويلبس غيرها الفقهاء، بينما تختلف عمائم أهل الذمة، عن عمائم المسلمين.
واختلفت العمائم كذلك من حيث نوع النسيج، فمنها عمائم الفوط الملونة، الوشى المطرزة، الخز أو الحرير، القز المطرزة بالذهب، الشرب، أي ما رق من الكتان، القصب المصنوعة من رقيق الكتان الناعم.
يختلف الأمر بالنسبة للأمازيغ، إذ كان رؤساؤهم يؤثرون العمائم، لهذا كانت من بين التحف والهدايا التي يهادى بها خلفاء بني أمية رؤساء ووجهاء البربر المستأمنين، كما أهدى الحكم المستنصر بالله لأحمد بن عيسى شيخ بني محمد ثلاثة عمائم خز الأولى سمائية والثانية حمراء والثالثة خضراء، كما أهدى لأخيه إبراهيم بن عيسى ثلاثة عمائم خز تفاحية وخضراء وفيروزية.
بينما أرسل الحكم المستنصر إلى قائده "غالب الناصري"، في جملة ما أرسله إليه مئة عمامة ملونة ربما ليوزعها على رؤساء البربر لاستمالتهم.
يذكر "ابن عذاري" أن الحاجب عبد الرحمن شنجول ابن المنصور بن أبي عامر أمر الرجال من أهل الخدمة – كان أغلبهم يلبس القلانس – بطرحها ووضع العمائم بدلا منها، بل هددهم بأشد العقوبات إن لم يرتدوها.
ويروى "المقري"، أن أبا الحسن الفكيك البغدادي، "كان يمْثُل بين يدي المعتمد بن عبّاد بقصر إشبيلية وعلى رأسه عمامة لازوردية فوق "طرطور" أخضر وهو نوع من أنواع العمائم العراقية في ذلك الوقت".
بينما يذكر "الزهري" أن العمائم كانت لباس الرأس المفضل للعلماء والفقهاء، فالمستنصر بالله "أمر بالمناداة في أزقة قرطبة بألا يتعمم رجل لا يحمل جامع المدونة حفظاً وفقهاً، فتعمم في قرطبة آنذاك ثلاثمائة رجل ونيف".
ويقول ابن سعيد المغربي "أن الغالب على أهل الأندلس ترك العمائم لاسيما في شرق الأندلس، أما أهل الغرب الأندلسي، فلا تكاد ترى فيهم قاضيًا ولا فقيهًا مشاراً إليه إلا وهو بعمامة، وقد تسامحوا بشرقها في ذلك".
يضيف أنه رأى عزيز بن خطاب أكبر عالم بمرسية في ذلك الوقت، خطب للملك بالملك في تلك الجهة، "وهو حاسر الرأس وشيبه قد غلب على سواد شعره، أما الأجناد وسائر الناس فقليل منهم من تراه بعمّة في شرق منها أو في غرب، وابن هود الذى ملك الأندلس في عصرنا رأيته في جميع أحواله ببلاد الأندلس وهو دون عمامة، كذلك ابن الأحمر الذى معظم الأندلس في يده الآن".

نفور من العمائم
ويضيف "يبدو أن أهل الأندلس كانوا لا يستظرفون لبس العمائم، إذ إن الفقيه يحيى بن يحيى الليثي كان لا يلبس العمامة، فلما سُئل عن ذلك قال:
"هي لباس الناس في المشرق وعليه كان أمرهم في القديم"، فقيل له: "لو لبستها لاتبعك الناس في لباسها"، فقال: "قد لبس ابن بشير الخز يقصد القاضى محمد بن بشير المعافرى قاضي قرطبة في عهد الأمير الحكم الربضي فلم يتبعه الناس"، يقصد إن كان ابن بشير أهلاً أن يقتدى به، فلعلي لو لبست العمامة لتركني الناس ولم يتبعوني كما تركوا ابن بشير.
إذاً، فإن أهل الأندلس تخلوا عن التعمم، إذ يظهر ذلك في الصور المنقوشة على العلب والصناديق العاجية، المصنوعة في دار صناعة قرطبة ومدينة الزهراء من عصر الخلافة، إذ تمثل أشخاصًا من الطبقة الخاصة في المجتمع القرطبي جالسين، يسمعون لحن زامر وعواد ودفوف في مجالس الطرب عقدوها في البساتين بلا عمائم.

آخر الأخبار