السبت 26 أبريل 2025
30°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

الإمام الشبلي... حجة في الشريعة

Time
الأربعاء 13 مايو 2020
View
90
السياسة
إعداد - نسرين قاسم:

في رياض المحبة الإلهية تتنزل النفحات القدسية والمعارف الربانية على قلوب العارفين الذين رفعت لهم الولاية والاصطفاء في سجل الأزل فشربت ذواتهم من معين الحب أحلى كاسات الوصال، وهامت أرواحهم في محيط النور اللانهائي حتى صارت نورًا محضًا يسبح في النور، هذا ما ينطبق على تاج الصوفية الإمام الشبلي، الذي ترك منصبه من أجل التصوف وعبادة الرحمن.

مولده ونشأته
هو أبو بكر جحدر بن دلف الشبلي، ولد في سامراء في بلاد العراق عام 247 هـ، ولقب بـ"الشبلي" نسبة إلى قرية "شبلة" الواقعة في إقليم خراسان، وينتمي الإمام الشبلي إلى أسرة ذات جاه، وكانت نشأته في بغداد لأن والده كان يعمل حاجب الحجاب عند الخليفة الموفق.
تربى "الشبلي" مغمورًا بالنعمة فأخذ بذلك نصيبه من الدين والدنيا معًا، حيث درس الفقه على مذهب الإمام مالك واشتغل بعلم ورواية الحديث.
ومن مروياته هذا الحديث الذي توقف عنده متأملا وقد ذكره السلمي بإسناده عن أبي سعيد، قال: "قال رسول الله لبلال: إلق الله فقيرًا ولا تلقه غنيًا".
وهو مع روايته للحديث واشتغاله بالبحث في أصول العلم ترقى في مناصب الدولة حتى صار واليًا بنهاوند والبصرة وأصبح مقربًا من الخليفة واتسع مجده وذاعت شهرته، ولكن المقادير كانت تدخر له من العناية ما لم يدر بخلده، فكان بدء عهده بطريق القوم حينما هيأت له الأقدار أن يحضر إلى مجلس الصوفي العارف بالله خير النساج، فاستمع إلى حديثه في علوم القوم ورأى ما أبداه الشيخ من عجائب أحواله وخوارقه، أحس "الشبلي" بوقع كلمات الشيخ في أعماق نفسه ووجدانه تكشف له عن مدى تفريطه في حق ربه وإعراضه عن طاعته، فسالت دموع ندمه وجرى على لسانه وقلبه صدق رجوعه وتوبته وعزم على المضي في طريق مولاه، فترك مركزه ورمى بجاهه وشهرته وتفرغ للعبادة.

بداية تصوفه:
وضع الإمام الشبلي قدمه على أول الطريق، حيث تلقى نسبته الصوفية عن الإمام الجنيد عن الإمام السري السقطي عن شيخه معروف الكرخي، وكان الارتباط بين أبي بكر الشبلي وأبي القاسم الجنيد يفوق في مدلوله حد التصور، وكما روي عن الإمام الجنيد قوله: "وإنها صحبة لولاية في طريق الحق وإنها خلة الروح على صراط المحبة، ولقد كان كل منهما كبيرًا في عين الآخر شامخا في منزلته سامقًا في رفعته".
بلغ من تقدير الإمام الجنيد لمكانة العارف الشبلي بين أقطاب الصوفية، حيث إنه قال: "لكل قوم تاج وتاج قومنا الشبلي"، إنها كلمة حق من سيد الطائفة، الإمام الشبلي خليق بها وأهل لها.

مفهوم التصوف عنده:
تحدث الشبلي عن مفهوم التصوف والصوفية فأعطى لهذا المفهوم روحًا جيدة من نفس مشرعة في الحب والتحقق فهو يعرف التصوف قائلا: "هو العصمة عن رؤية الأكوان" أي عن الرؤية القلبية التي يحتجب فيها الإنسان بالكون عن الكون، ثم يقول عن الصوفي: "الصوفي منقطع عن الخلق متصل بالحق كقوله تعالى: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي" قطعه عن كل غير ثم قال له "لَن تَرَانِي".

علمه وفهمه للشريعة
يروي صاحب الرسالة القشيرية أن فقيها من أكابر الفقهاء كانت حلقته بجانب حلقة الشبلي في جامع المنصور، وكان يقال لذلك الفقيه "أبو عمران"، وكانت تتعطل عليهم حلقاتهم لكلام الشبلي فسأل أصحاب أبو عمران يومًا الإمام الشبلي عن مسألة في الحيض ـ وقصدوا إخجاله فذكر مقالات الناس في تلك المسألة والخلاف فيها، فقام "أبو عمران" وقبل رأس الشبلي، وقال: "يا أبا بكر: استفدت في هذه المسألة عشر مقالات لم اسمعها، وكان عندي من جملة ما قلت ثلاثة أقاويل".
ويرى تلاميذه ومريدوه أن وراء علم الإمام الشبلي بالشرع علما آخر أخذه عن الله إلهامًا بلا واسطة، فالعلم المكتسب من وجهة نظرهم لا يقاس بعلم أهل الله "وشتان بين علم أخذ عن الخالق وعلم أخذ عن المخلوق".
وكان لـ"الشبلي" لسان عال في الطريق وحجة قوية في الشريعة يشهد بها كل من تصدى لجداله من الفقهاء، فقد كان ابن بشار ينهى الناس عن الاجتماع للشبلي والاستماع لكلامه فجاءه ابن بشار يومًا ممتحنا فقال له: "كم في خمس من الإبل؟"، فسكت "الشبلي" فأكثر عليه ابن بشار، فقال له الشبلي: "في واجب الشرع شاة وفيما يلزم أمثالنا كلها"، فقال له ابن بشار: "هل لك في ذلك إمام؟"، قال: "نعم"، قال: "من؟"، قال: "أبو بكر الصديق حيث أخرج ماله فقال له النبي (ص): ما خلفت لعيالك؟، قال: الله ورسوله"، فرجع ابن بشار ولم ينه بعد ذلك أحدًا عن الاجتماع بالشبلي.

وفاته
توفي الإمام الشبلي عام 334 هـ، بعد أن عاش سبعة وثمانين عامًا، ودفن في بغداد في مقبرة الخيزران، وظل قبره شاهدًا يزوره الناس، بعد أن علموا عنه أنه عاش عالمًا زاهدًا تقيًا ملتزمًا بالشرع، هائمًا على وجهه في عشق الخالق العظيم، جلّ شأنه وعظمت قدرته.
آخر الأخبار