الخميس 29 مايو 2025
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

الاتفاق الليبي- التركي وعودة القبطان خير الدين برباروسا إلى البحر المتوسط

Time
الأربعاء 18 ديسمبر 2019
View
5
السياسة
محمد الفوزان

الاتفاق التركي-الليبي يعطي تركيا العودة مرّة أخرى إلى البحر المتوسط ، مما جعل المنافسين والمناوئين في موقف صعب لايحسدون عليه، لقد كانوا يحتشدون في شرق المتوسط ،حيث توجد موارد الغاز الطبيعي، وكانوا يقيمون الأنظمة الصاروخية في جزر بحر إيجة، كما كانوا ينشئون القواعد العسكرية ويحشدون قواتهم على طول الخط الواصل بين اليونان وبلغاريا ورومانيا، وقد فعلوا ذلك من قبل نحو 473 سنة من أيام الخلافة العثمانية، حين ترامت إلى مسامع السلطان سليمان القانوني أن البابا بول الثالث يبذل جهودا كبيرة لتوحيد أوروبا ضد الخلافة العثمانية، وقد نجحت جهوده بعقد هدنة، مدتها عشر سنوات بين ملك فرنسا فرنسوا، وبين الامبراطور شارلكان امبراطور إسبانيا، ثم لم تلبث البندقية أن انضمت إلى هذه المعاهدة ، ثم تبع ذلك عقد تحالف أوروبي- صليبي سنة 1538 ضم معظم الدول الأوروبية الكبيرة في ذلك العصر مثل إسبانيا، وألمانيا، والبرتغال، والبندقية، بالإضافة إلى الدول الصغيرة كجنوة، ومالطا، وفلورنسا، ولم يتخلف عن هذا الحلف سوى فرنسا وإنكلترا، وتم هذا الحلف برعاية البابا، وزعامة شارلكان .
كان الهدف من هذا التحالف القضاء على القاعدة العثمانية في الجزائر، وكذلك كانت البندقية تهدف إلى استعادة الجزر التي ضمتها الخلافة العثمانية في بحر إيجة، وهكذا شهدت سنة 1538 احتشاد أكبر أسطول أوروبي في عرض البحر المتوسط، لم يعرف تاريخ الحروب البحرية له مثيلاً منذ معركة أكسيوم قبل الميلاد التي قادها ولي عهد إمبراطورية روما أوكتافيانوس ماركوس أنتونيوس ضد أسطول كليوبترا التي وقعت في سواحل اليونان سنة 31 قبل الميلاد.
لقد أسندت قيادة هذه الحملة إلى البحار الجنوي الشهير أندريا دوريا ، حيث وضع تحت تصرفه أسطول مكون من أكثر من 600 قطعة بحرية، منها 308 سفن حربية كبيرة، مزودة بـ2500 مدفع، أما السفن الباقية فقد كانت سفن حرب ونقل صغيرة.
كان الأسطول يحمل على متنه 60 الف جندي من جنسيات وأعراق مختلفة، لا يجمعهم سوى غاية النهب والانتقام، كما كانت المنافسة والحسد على أشدها بينهم، وكان قادة الأسطول الأوروبي على ثقة تامة من كسب المعركة من دون عناء، وذلك اعتمادًا على التفوق العددي والعسكري الكبير الذي كانوا يتمتعون به، حتى إنهم اقتسموا ممتلكات الخلافة العثمانية قبل بداية المعركة، أما الأسطول العثماني فقد كان مكونًا من 122 قطعة بحرية، تقل 20 الف جنـدي.
تولى القبطان خير الدين بربروسا باشا، رحمه الله، قيادة الأسطول، يساعده في ذلك أمهر البحارة العثمانيين الذين أدَّوا دورًا كبيرًا في تثبيت الوجود العثماني في البحر المتوسط وشمال أفريقيا، أمثال صالح رئيس، وتورغوت رئيس، وسيد علي المرادي رئيس، وحسن رئيس، بالإضافة إلى أن الأسطول العثماني كان معبّأ تعبئة إيمانية جيدة ومتجانسًا من حيث الهدف والغاية التي يريد تحقيقها من هذه المعركة، ولديه عقيدة قتالية راسخة وواضحة ومؤمن فيها بقوة، كما كانت معظم قطعه الحربية تتكون من سفن صغيرة خفيفة تسهل عليهم القيام بالمناورة والالتفاف، حول سفن العدو الضخمة المثقلة بالجنود والمعدات، وهكذا ففي الوقت الذي كانت السفن الأوروبية الثقيلة تدور بتثاقل، كانت القوارب التركية تلف بسرعة خلفه، ثم توجه قذائف مدافعها إليها بسهولة.
ومن الناحية التقنية كان الأتراك متطورين في صناعة الأسلحة أكثر من الأوروبيين ، كانوا يستخدمون مدافع تعتبر أكثر تطورًا من تلك التي يستعملها الأوروبيون التي كان البحار التركي الشهير كمال رئيس قد طورها قبل نصف قرن من تاريخ هذه المعركة، وكان الأتراك يملكون المدافع بعيدة المدى، بينما لم يكن الأوروبيون يستعملون سوى المدافع قصيرة المدى، وهكذا فعندما كان الأتراك يقصفون السفن الأوروبية من مسافات بعيدة، كانت المدافع الأوروبية تسقط في مياه البحرمن دون أن تبلغ هدفها؛ كونها لم تستطع الوصول إلى السفن التركية.
تحرك الأسطول العثماني بقيادة خير الدين باشا في 25 سبتمبر 1538 متوجهًا صوب جنوب غرب بحر إيجة، ورسا بميناء أغريبوز، وفي هذه الأثناء بلغته أنباء ان أندريا دوريا حاصر وقصف قاعدة بروزة التي كانت تعتبر إحدى أهم قواعد الأسطول العثماني على الساحل اليوناني، فأرسل خيرُ الدين تورغوتَ رئيس على رأس طليعة من الأسطول مكونة من 20 قطعة بحرية لمراقبة تحركات الأسطول الأوروبي، بينما توجَّه هو على رأس بقية الأسطول العثماني إلى قاعدة مودون الواقعة على السواحل الشرقية لشبه جزيرة المورة ، كان أندريا على وشك حشد قواته في كورفو،غير أنه عندما بلغه نبأ اقتراب الأسطول بقيادة خير الدين بربروسا، أمر برفع الحصار عن بروزة والانسحاب إلى شمالها؛ وذلك لاستدراج الأسطول العثماني إلى خوض معركة غير متكافئة، بعد أن يحصره في حيز ضيق، ويتمكن بذلك من تدميره بسهولة، والقضاء على الحامية التركية في بروزة.
كان أندريا دوريا قد نفذ هذه المناورة في ليلة 28 من شهر سبتمبر، ولكنه حينما طلع الصباح فوجئ بالأسطول العثماني راسيًا على مسافة قريبة من الأسطول الأوروبي ؛ لأن خير الدين كان قد نفذ المناورة نفسها، وأخذ وضعية الاستعداد للمعركة في عرض البحر، أمر أندريا دوريا بالاقتراب من الأسطول العثماني لكي يكون في مرمى مدفعيته، وفي هذه اللحظة أصدر خير الدين أمره إلى تورغوت رئيس بالالتفاف حول الأسطول الأوروبي ، بينما اتخذت وحدات الأسطول العثماني شكل الهلال، وأخذت في التوسع على الجانبين تمهيدًا للإطباق على أسطول العدو بواسطة الجناحين، بالإضافة إلى الهجوم الرئيس الذي كان سينطلق من قلب الأسطول العثماني.
ساعدت الرياح التي كانت تهب باتجاه معاكس للأسطول الأوروبي على إدارة المعركة لصالح الأتراك الذين شرعت وحدات أسطولهم الرئيسة في قصف السفن الأوروبية بقذائف المدفعية، في هذه الأثناء كان تورغوت رئيس قد أتم التفافه حول السفن المعادية، وشرع في دكِّ التحالف الصليبي بسفنه الثقيلة التي سادها الاضطراب والفوضى، فراحت تنشد النجاة في محاولة يائسة للفرار، وكان من نتيجة هذا الاشتباك أن تم إغراق عدد كبير منها.
جعلت الهزيمة السريعة والمباغتة وغير المتوقعة أندريا يعلن الانسحاب بشكل مفاجئ وسريع، وما إن حل الظلام حتى أعطى أوامره إلى قواته الباقية بأن تطفئ المصابيح، ثم تلوذ بالفرار ، مسجِّلاً بذلك أكبر هزيمة في تاريخ الحروب البحرية حتى ذلك العصر، في معركة لم تزد عن خمس ساعات رغم التفوق العددي الهائل بين القوتين المتحاربتين.
في هذا الوقت انتهز خير الدين بربروسا فرصة ارتباك الأسطول الأوروبي ، فأمر بتعقب السفن الهاربة، وبدأ تورغوت رئيس بمطاردتها، والاستيلاء على عدد من السفن التي لم تتمكن من الفرار، خسر الأوروبيون في هذه المعركة نصف سفنهم التي بلغت 123 سفينة حربية بين سفن غارقة، وأخرى معطوبة، كما أغرق جيش الخلافة العثمانية عددا كبيرا منها، واستولى على 36 سفينة، بالإضافة إلى 3000 أسير، أما خسائر الأتراك فقد كانت 400 شهيد، و800 جريح، وكانت أهم نتيجة تمخضت عن هذه المعركة سيطرة الأتراك على شرق ووسط البحر المتوسط بلا منازع.
آخر الأخبار