السبت 18 أكتوبر 2025
31°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأولى   /   الافتتاحية

الحقيقة الغائبة وتقديس طواغيت الجهل والأميّة سلاح العصابات المذهبية والطائفية لقتل المسلمين

Time
الأحد 19 سبتمبر 2021
السياسة
أحمد الجارالله

قتل كتاب "الحقيقة الغائبة" صاحبه فرج فودة، لأنه "مرتد وكافر" وفقاً لقول القاتل في المحكمة، إذ سأله القاضي: "لماذا اغتلت فرج فودة"؟
القاتل: لأنه كافر.
ومن أي من كتبه عرفت أنه كافر؟
القاتل: أنا لم أقرأ كتبه.
القاضي: كيف؟
القاتل: "أنا لا أقرأ ولا أكتب".
هذا الذي صرخ "الله أكبر" حين نفذ جريمته، لا يختلف عن عناصر "داعش" و"التكفير والهجرة" و"الإخوان" و"حزب الله" وبقية رهط العصابات التي اتخذت من الإسلام شعاراً لها كي تمارس جرائمها المنكرة ضد الذين قالت إنها جاءت لحمايتهم، أي المسلمين، ولتقيم العدل.
هذا كان مجرد شعار يرفعه القاتل، ويجبر الضحية على النطق به، أي بمعنى واضح يصرخ القاتل: "الله أكبر" ويصرخ الضحية قبل سفك دمه "الله أكبر"، فيما الله عز وجل بريء من هذه المنكرات التي لا تُعبر عن الإسلام، دين التسامح والعدالة والحوار.
لم يأتِ هؤلاء بجديد في ذلك النهج، فقد استقوه من تاريخ الحكم في الدولة الإسلامية، بدءاً من الأموية، مروراً بالعباسية وبعدها الفاطمية، والمماليك وأخيراً العثمانية والفارسية، في سعي الحكام إلى فرض هيبتهم وقوتهم وترسيخ حكمهم.
فالخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) قُتل بأيدي مسلمين، وكذلك الخليفة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) قتل بيد مسلم في المسجد حين كان يؤدي صلاة الفجر، وبعده ابنه الحسين (رضي الله عنه) قتل على يد مسلم.
وفي حين لم يتجرأ أبو جهل على ضرب الكعبة بالمنجنيق وهدم أجزاء منها، فعلها قائد جيش عبدالملك بن مروان أثناء حصاره مكة، وكما لم يتجرأ اليهود أو الكفار على الإساءة لمسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوماً، فعلها قائد جيش يزيد بن معاوية عندما حول المسجد لثلاثة ليال إسطبلاً، تبول فيه الخيول.
قلة هم الخلفاء الذين توفوا على فراشهم بسبب الشيخوخة، فيما الغالبية منهم ماتوا إما بالسم أو الطعن من المقربين منهم. ويروى أن معاوية بن يزيد (ثالث خلفاء بني أمية) لما حضرته الوفاة (وكان صالحاً على العكس من أبيه)، قالوا له: أعهد إلى من رأيت من أهل بيتك؟
فقال: "والله ما ذقت حلاوة خلافتكم فكيف أتقلّد وزرها، اللهم إني بريء منها متخل عنها"، فلما سمعت أمه (زوجة يزيد بن معاوية الذي قتل الحسين بن علي) قوله هذا، قالت: "ليتني خرقة حيضة ولم أسمع منك هذا الكلام". فيما ثمة روايات تقول إن عائلته هي من دسّت له السم ليموت لرفضه قتال المسلمين، بعد أن تقلّد الخلافة لثلاثة أشهر فقط وكان عمره 22 سنة، ثم صَلّى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكانوا قد اختاروه خليفة له، لكنه طُعن بعد التكبيرة الثانية، وسقط ميتاً قبل إتمام صلاة الجنازة، فقدموا عثمان بن عتبة بن أبي سفيان ليكون الخليفة، فقالوا: نبايعك؟ قال: "على أن لا أحارب ولا أباشر قتالاً"، فرفضوا، فسار إلى مكة وانضم إلى عبدالله بن الزبير، فقُتل هناك.
الأمر لم يختلف مع الدولة العباسية، ذلك أن متوالية القتل دارت على الجميع، وكان التآمر سيد القصر الحاكم بأمره، وليس أحداً آخر، بدءاً من أبي مسلم الخرساني، وصولاً إلى آخر خليفة عباسي، وهكذا كانت الحال في الدول الفاطمية والمملوكية، وكذلك العثمانية، إذ بعد وفاة أرطغرول نشب خلاف بين أخيه دوندار وابنه عثمان، انتهى بأن قتل عثمان عمه واستولى على الحكم، وهكذا قامت الدولة العثمانية، فيما حفيده مراد الأول قتل شقيقيه إبراهيم وخليل خوفاً من مطامعهما في الحكم، وعندما كان على فراش الموت في عام 1389 أصدر تعليماته بخنق ابنه يعقوب حتى لا ينافس شقيقه في خلافته.
أما السلطان محمد الثاني (فاتح إسطنبول)، فقد أصدر فتوى شرعية حلّل فيها قتل السلطان شقيقه من أجل وحدة الدولة ومصالحها العليا، والسلطان مراد الثالث قتل أشقاءه الخمسة فور تنصيبه خلفاً لوالده، بينما ابنه محمد الثالث لم يكن أقل إجراماً فقتل أشقاءه التسعة عشر فور تسلمه السلطة، بل لم يكتف بذلك، فقتل ابنه محمود الذي يبلغ من العمر 16 عاماً، كي تبقى السلطة لولده البالغ من العمر 14 عاماً.
الأمر ذاته كان سائدا في الدولة الصفوية التي سمل فيها الأخوة العيون وجدعوا الأنوف، وقطعوا الرؤوس، ودسوا السم في أفظع صراع على السلطة، بل إن الدولة الخمينية الحالية بدأت التصفيات الجماعية عبر المجازر والتفجيرات، وقتل المعارضين الذي لا يزال مستمراً إلى اليوم.
لا شك أن شعار الخلافة الإسلامية يغري الكثير من الطامعين بالسلطة وهؤلاء يوظفون كل شيء، بدءاً من الدين وليس انتهاءً بالمال والقتل في سبيل ذلك، لذا حين اندلعت شرارة ما سمي "الربيع العربي" رأينا كيف عملت تلك الجماعات على نسب كل أفعالها الإجرامية إلى "القتل الحلال" كي تحقق أهدافها وتجر خلفها الغوغاء عبر دغدغة مشاعرهم الدينية.
لا يمكن لمجتمعاتنا أن تنتقل إلى الانفتاح والتوعية، والتنمية المستدامة، إلا في حال واحدة، وهي إعادة النظر بالتاريخ الكاذب الذي يدرَّس لأولادنا الذين يتحولون مع الأيام مشاريع متطرفين وإرهابيين، ولنا في ما جرى خلال العقود الخمسة الماضية خير مثال على الخروج من هذا النفق، وإلا سنبقى نخرج من عصر "إخواني" لندخل عصراً "طالبانياً" نخرج منه إلى عصر "داعشي" و"حزب شيطاني يدّعي الألوهية"، فيما الدم المسلم يُسفك بصيحة "الله أكبر"، وستبقى الحقيقة الغائبة تقتل المفكرين ونخبة المجتمعات العربية والإسلامية.
آخر الأخبار