منوعات
الرقم40... قصة موسى ونزول الوحي على النبي محمد
الأحد 24 أبريل 2022
5
السياسة
(وكل شيء عنده بمقدار)، (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِيْن)، (لقد أحصاهم وعدهم عدا)، (ولتعلموا عدد السنين والحساب)... إشارات مُبينة في الذكر الحكيم إلى أهمية الأعداد والحساب، تدفع باتجاه تدبُّر مواضع ذكرها، وبيان حكمتها وأسرارها، إذ اشتملت آيات القرآن الكريم على عدد كبير من الأعداد المعروفة بدءاً من العدد "1"، حتى "مئة ألف" ليكون الكتابَ السماويَّ الوحيدَ الذي أفرد جانباً كبيراً من نصوصه للأعداد.كتبت - نورة حافظ: موعدنا اليوم مع العدد (40) وهو سن اكتمال العقل والفهم ونبذ السفاسف والتفاهات والميل إلى الحكمة والرشاد، كما انه العدد الذي يمس قلوب المسلمين باعتباره بداية تكليف النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة، فعندما أتم نبينا أربعين سنة بدأ اتصاله بالوحي، فكانت الانسانية على موعد مع الدين الخاتم والرسول الخاتم وكفى به شرفا. و رد العدد (40) في القرآن الكريم اربع مرات، وارتبط بأطول قصة في القصص القرآني وهي قصة موسى وبني اسرائيل بكل ما تحمله من ثراء في الاحداث وعظات تمس القلوب، يقول تعالى فى سورة البقرة (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ"، ثم في سورة الأعراف (142):" وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً "، فبعد أن نجّى الله موسى وقومه وأغرق فرعون ومن معه، استدعى – عز وجل - كليمه ليبلغه بتعاليمه ويمنحه نصوص التوراة وفيها هدى ونور، فاستخلف على قومه أخاه هارون وأمره بحسن قيادتهم وكبح جماح المفسدين منهم، وانقطع لمناجاة ربه أربعين ليلة ما بين الذكر والشكر والدعاء، لينال الجائزة الكبرى ويسلمه الله تعالى التوراة بيمينه، تمهيدا لبداية مرحلة جديدة من تاريخ اليهود تلي إغلاق صفحة وجودهم في مصر وخروجهم للعالم كشعب ذي خصائص نفسية وعقائدية متفردة لا يزال وجوده قائما حتى اليوم. ويتواصل حديث القرآن الكريم عن بني إسرائيل، مؤكدا على الارتباط مع العدد (40)، فيقول تعالى في سورة المائدة ( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)". وكعادة من لم يدخل الإيمان قلبه وإذا وجد فرصة للفساد افسد غير عابئ بالعاقبة كاشفا عما في نفسه من شرك وعصيان فقد حضرت الفرصة لبني اسرائيل بغياب موسى عن قومه لمدة أربعين ليلة فقط، اذ ارتدوا جميعا إلا نفر قليل وعبدوا العجل الذي صنعه لهم السامري من حصيلة ما استولوا عليه من ذهب المصريين وقال لهم: إنه اله موسى وإلهكم، واحتال لكي يجعل له خوار يصدر صوتا إمعانا فى تضليلهم فصدقوه ونسوا فضل الله عليهم وكيف انجاهم قبل ايام معدودة من سيوف المصريين بمعجزة لم يشهد التاريخ مثلها. وعلى الرغم من نصح هارون لهم ومحاولاته إعادتهم إلى عبادة الله الواحد وترك عبادة العجل إلا أنهم اغلظوا له و اجتمعوا عليه، فخشي من بأسهم وانفراط امرهم واختار الصمت على عصيانهم حتى يعود موسى ويتخذ القرار المناسب، فلما عاد من لقاء ربه فوجئ بارتداد القوم، فغضب ودعا الله ان ينتقم منهم فعاقبهم بالتيه لمدة ( 40 ) سنة يكابدون فيها متاعب الضياع والفوضى و التشرد بمعدل سنة لقاء كل يوم عبدوا فيه العجل فتاهوا في صحارى سيناء، ولم يدخلوا فلسطين إلا على يد نبي الله يوشع بن نون بعد وفاة اكثرهم بما فيهم موسى وهارون ليتحقق هلاك الجيل الذي خرج من مصر ويدفنون على تخومها.ونمضي في رحلتنا مع العدد (40) ونتوقف عند الآية (15) من سورة الأحقاف فيقول تعالى (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ)، وفيها اقترن العدد (40) بمبادئ خلقية راقية، من بينها بر الوالدين وحسن صحبتهما والإحسان إليهما، إضافة إلى ما تقرره من ربط سن الأربعين باكتمال القوة النفسية والعقلية وتمام النضج، وما يترتب على ذلك من حسن تدبر الامور وتلاشي نزعات الاندفاع، وهو ما اكدت عليه نظريات علم النفس الحديثة من العلاقة الوثيقة بين بلوغ ذروة الحكمة وكبح الغرائز والشهوات في هذا العمر.