الشاعر السعودي محمد يعقوب: نعيش عالماً متناقضاً ومكشوفاً
أحيا أمسية شعرية في "مكتبة صوفيا" ضمن "صيفي 15"
مدحت علام
أقيمت ضمن فعاليات مهرجان صيفي ثقافي في دورته الـ15 أمسية شعرية بالتعاون مع مبادرة مركز حروف الثقافي في مكتبة صوفيا الكائنة في مجمع بروميناد في حولي، أحياها الشاعر السعودي محمد يعقوب، وأدار حوارها باقتدار وحرفية الشاعر عبدالله العنزي.
وفي أجواء ثقافية هادئة وفّرتها مكتبة صوفيا للحضور، دارت حوارات ونقاشات وقراءات شعرية، من خلال مدير الأمسية العنزي، الذي كان يطرح أسئلته على الشاعر يعقوب تلك التي حرص فيها على أن تكون مكثفة وملخصة لمسيرة هذا الشاعر السعودي الذي يكتب الشعر من أجل الإنسان الذي ينبض بالحب والسلام. وذلك بالتناوب مع الشعر، الذي عبّر يعقوب من خلال إنشاده له عن الكثير من المضامين والرؤى الإنسانية، في سياقات جمالية متوافقة مع قدرات الشاعر في امتلاكه لحصيلة متميزة من المفردات الشعرية، بالإضافة إلى ما تحتويه خيالاته من صور جديدة، تعبر خير تعبير عن موهبته وعشقه للكلمة.
وأجاب يعقوب عن سؤال يتعلق بالشعر والنقد ليقول: "النقاد يريدون أن يكونوا هم النجوم أنفسهم، وهذا حقهم ولا أحد يلومهم عليه، ولكنهم لم يعودوا يتوقفوا عند النصوص، بل لم يعودوا يقرؤوا، وأخذوا في وضع النظريات، بينما الشاعر يطمح إلى تلويحة من البعيد، يشعر فيها أنه هنا"، وفيما يخص الجوائز قال: "أعتقد أن الجوائز كانت خيارا بديلا للكثير من الشعراء، كي يُسلط عليهم الضوء، ولكن الشاعر الحقيقي يدخل المسابقة ويخرج منها وهو شاعر، فالشاعر الحقيقي حتى لو حصل على لقب سيظل شاعرا، ولكن أتحدث عن الضوء الذي من الممكن استثماره لنعرف هذه التجربة من تلك".
واستدرك: "ولكن هناك من ينخدع بالجوائز، وهناك من يكتب للجوائز وهناك من يراهن على الجوائز، ولكن أظن من تجربتي الشخصية ان الجائزة تكون شكرا احسنت استمر".
ومن ثم قرأ اليعقوب قصيدة "حديث شخصي مع العالم"، والتي تشبه رسالة إنسانية، فرغم ما تتضمنه من إحباطات إلا أنها تبث أمل التغيير في النفوس: "لن تسمعوا مني كلاما عاطفيا/ في الحقيقية لم أعد أهتم/ او تعبت خطايا من الطريق"، ويستمر في وصف الحال: سقط القناع عن الدراما العالمية في وضوح جارح"، ومن ثم فهو يتبرأ من العالقين بالمحطة، الذين لم يروا جوع الشوارع، وانتهاك الآدمية، مؤكدا: "في الليل لا أحد ينام على الوسادة"، وفي الوقت نفسه فهو لا يستثني نفسه من هذه الأوضاع الإنسانية المتردية.
ومن ثم قرأ قصيدة "تراتيل العزلة":
بمن سوف أنجو… زورق الليل مغمدُ
وفي لجتي سيفان: نايٌ وموعدُ
وصوتي الذي في الجبِّ.. قد فاض ماؤهُ
وطرح العنزي مسألة القلق الوجودي في قصيدة الشاعر، الذي هو المحرك الأساسي للشعر.
بدوره أوضح يعقوب أنه في بداياته الشعرية كان يظن أن قصيدته ستطلق إيقاعها على العالم، وقال: "هذا تهويم، وطفولة قد نلتمس لها العذر، فنحن نعيش في عالم متناقض جدا ومكشوف جدا وساقط وقلق ولا نعول فيه على شيء لذلك على الشعراء كتابة ما يعيشونه، حيث إنني لا أريد أن تأخذني القصيدة حيث تشاء اللغة، لا ما أشاء أنا".
وبالتالي قرأ قصيدة تحاور فيها مع نفسه عن ماهية الشعر، الذي يراه كزهر اللوز وطيبة الامطار، والذي في الروح يترك مقعدا للعابر الى شهي النار.
وفي سياق شعري جميل يقول:
الامرُ لَيْسَ كَمَا تَظُنَّ
هُبُوطُكَ الفِطْرِيُّ
أَسْئِلَةٌ تُعَلِّقُهَا جِزَافَاً خَلْفَ بَابِ الرُّوحِ
سُكَّرُكَ الَّذِي ذَوَّبْتَ أَكْثَرَهُ غِيَابَاً
ظَهْرُ كَفِّكَ شَاحِبَاً
وأشار العنزي إلى تخصص يعقوب في تدريس مادة الفيزياء، حيث إن غالبية الشعراء بعيدون عن تخصصهم في الأدب.
ليوضح يعقوب أن دراسته علمية ولم يكن يعرف النحو وأضاف: "دخلت الشعر متأخراً، أنا كنموذج وقع في حب الشعر، وفزت من خلاله بالجوائز، وشعوري أن يكون الشعر كائنا حقيقيا كي اذهب اليه واقبّل راسه، واقول له أنا جيّد وفزت بجائزة، إنني أفكر هكذا، حيث إنني مدين للشعر في كل شيء، وجودي هنا بصفتي شاعرا، فتخيل ما الذي استطيع ان أقدمه لهذا الكائن العظيم، الذي هو الشعر لذلك أنا أعمل باستمرار، وانتقد نفسي باستمرار، واتغير باستمرار، واتمرد على نفسي باستمرار، حتى يبقى هذا الكائن الذي هو الشعر".
ومن ثم قرأ يعقوب قصيدة "قميص لأوراق بيضاء":
باسمي طرقتُ الماءَ، باسمكِ أدخلُ
هل تدركُ الغيماتُ ماذا تحملُ؟
يا وردةً والليلُ يغلقُ بابه
من يسألُ الرمّانَ كيف يبلَّلُ
لم أعتقد بالطين حتى خضتُهُ
ما أضعفَ الإنسانَ حين يُشَكَّلُ
وأتبع ذلك بنص عنوانه "أخرى"، تحدث فيه عن امرأة تحب بجنون، ثم اكتشفت أن من تحبه يحب امرأة أخرى: "أخرى لديك ام انتهى وقتي معك/ يا خيبة القلب الذي قد شيعك".
وأوضح يعقوب أنه "يميل إلى التمرد والتغير، فلا بد أن يتغير الإنسان، حتى على قصيدتي، فكتبت قصيدة عمودية وفازت بجائزة، وكان من المفترض أن أستمر على هذا المنوال، ولكني كتبت ديوانا كله تفعيلة وفاز بجائزة.
وبالتالي أنشد قصيدة "اتكاء على كتف متعبة"، وعقب الانتهاء من إلقاء قصيدته تحدث عن مدينته جازان، واستعداده لإعداد معجم لشعرائها، وهي المدينة التي كتب عنها ديواناً كاملاً، ذاكرا قول اعلامي كبير: "إن كانت السعودية احتياطي النفط للعالم، فجازان احتياطي السعودية للشعر".
وأشار كذلك إلى ديوانه متاهات الذي وزعه على 14 قسما، وصدّرت كل قسم لبيت شعر من أحد الشعراء الشباب من أصدقائه وكانت لفتة جميل لهم.
كما قراء مقطعا من قصيدة "سيريالية ناقصة"، والذي سيصدر قريبا عن مكتبة صوفيا، واختتم الشاعر الأمسية بمقطوعات شعرية قصيرة.