إعداد - أحمد فوزي حميدة:"عاشوا معظم سنوات حياتهم في ضلال بعيدا عن الإيمان وتمادوا في ارتكاب المعاصي واحتراف سرقة الناس وأكل حقوقهم ، وحينما أنار الله بصيرتهم وهداهم للإيمان استجابوا وتابوا وانقطعوا عن السرقة وزهدوا في الدنيا ومتاعها حتى نالوا درجة الولاية والاصطفاء والمحبة من الله عز وجل."تحكي كتب التراث في وقت محنة خلق القرآن الكريم، وهي فتنة وقعت في العصر العباسي، عهد الخليفة المأمون ثم المعتصم والواثق من بعده، إذ اعتقد هؤلاء الخلفاء أن القرآن مخلوق محدَث، وهو رأي المعتزلة، لكن الإمام أحمد بن حنبل خالف ذلك فتم سجنه وتعذيبه طوال عامين وثمانية أشهر.ويروي ابن الجوزي في كتابه "مناقب الإمام أحمد" أن الإمام قال لابنه عبد الله: "كان بي من العذاب والشدة ما كدت أن أضعف معه، وأسلم لهم بما يقولون به حتى في يوم كان معي في سجني رجل لا أعرفه ولم أره بعد ذلك، فقال: أثبت يا أحمد على ما أنت عليه.. أما أنا فلا وزن لي إن أقررت لهم أو امتنعت ولا يأبه أحد بقولي.. وأما أنت فاليوم إمام المسلمين والنفوس مستشرفة إليك، ولم يبق غيرك لأهل السنة، فإن أنت سلمت لهم ضاع الدين"، فقال الإمام احمد: "فاشتد قلبي وقويت عزيمتي وصبرت على ما ألاقي حتى آذن الله بالفرج".ويذكر الراغب الأصفهاني، في كتابه "محاضرات الأدباء": "من المعروف أن الشطار والعيار ـ اللصوص وقاطعي الطريق ـ أكثر الناس تحملا للجلد والضرب لكن الإمام أحمدُ بن حنبل فاقهم في الصبر على الضرب وذلك أيام محنته ليقول بخلق القرآن - والسبب في ذلك - أن الإمام أحمد بن حنبل حينما تم سجنه كان معه في السجن بعض اللصوص والمجرمين وكان من بينهم لص ذائع الشهرة والصيت اسمه أبو الهيثم الطرار، وكان يحب الإمام أحمد بن حنبل ويشفق عليه في محنته وكثيرًا ما كان يهرب له الطعام من خارج السجن، وذات يوم لاحظ أن الإمام بن حنبل يتألم من جراح التعذيب فمال عليه وهمس في أذنه، وقال إنهم يعذبونك أليس كذلك!! حتى تقول ما يريدونه ولكن لعلمك يا إمام كثيرًا ما عذبوني لأعترف بما سرقته ولكنني كنت رجلًا ولم أعترف أبدًا". وقال: "كنت أتحمل الضرب صابرًا وأفعل هذا وأنا على الباطل؟ فكيف وأنت على الحق وإياك يا مولانا أن تضعف فيجب ألا يكون رجال الحق أقل تحملًا من رجال الباطل".وفي رواية أخرى أن الإمام أحمد بن حنبل كان يكثر من الدعاء لأبي الهيثم الطرار وكان أحد اللصوص الذين عُرف عنهم الصبر على سياط الشرطة، ولما سأله ولده عن سر دعائه لهذا اللص أجابه: "لما مددت للسياط إذا برجل يجذب ثوبي من خلفي وقال: يا ابن حنبل، أما تعرفني؟"، قال: "قلت: لا"، قال: "أنا اللص الطرار أبو الهيثم، ضُربت ثمانية عشر ألف سوط تحملتها من أجل الدنيا ومن أجل الشيطان، أفلا تصبر أنت لطاعة الرحمن؟".واستمر الإمام ابن حنبل يقاوم وكلما ضعف تذكر كلمات ابن الهيثم وظل سنوات في محنته ثابتًا كالجبل فلما تولى المتوكل الحكمَ أنهى تلك الفتنة إنهاءً كاملاً وأفرج عن الإمام أحمد فخرج ولبث مدة في بيته يعالج من الجراح التي ألمت به ثم تذكر صاحبه في السجن فسأل عنه وقيل له إنه قد مات فذهب يزوره في قبره ودعا له، ثم شاهده في منامه فرآه في الجنة فسأله ما الذي أدخلك الجنة فرد عليه وقال تاب الله علي بعد أن نصحتك أن تتحمل وتصبر على البلاء والعذاب في سبيل إعلاء كلمة الحق.