الجمعة 25 أبريل 2025
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

العدد 19... فتنة

Time
الاثنين 18 أبريل 2022
View
5
السياسة
(وكل شيء عنده بمقدار)، (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِيْن)، (لقد أحصاهم وعدهم عدا)، (ولتعلموا عدد السنين والحساب)... إشارات مُبينة في الذكر الحكيم إلى أهمية الأعداد والحساب، تدفع باتجاه تدبُّر مواضع ذكرها، وبيان حكمتها وأسرارها، إذ اشتملت آيات القرآن الكريم على عدد كبير من الأعداد المعروفة بدءاً من العدد "1"، حتى "مئة ألف" ليكون الكتابَ السماويَّ الوحيدَ الذي أفرد جانباً كبيراً من نصوصه للأعداد.

كتب - أحمد شحاتة القعب:


ورد العدد (19) مرة واحدة في الذكر الحكيم، ولكنه حظي بالاهتمام ما لم يحظ به عدد اخر، وكُتبت عنه آلاف الابحاث، وجعله بعضها سر اسرار الكون، وصاغ بعضهم حوله نظريات ما انزل الله بها من سلطان تنطبق عليها اشارته تعالى ان عدد "19" ما هو إلا فتنة للكافرين في كل عصر ومصر، لأن المؤمن لا يبحث عن قرائن مشكوك في مقصدها لتدعيم ايمانه.
يقول تعالى في سورة المدثر (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُلَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِعَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)، وتشرح الآيات الكريمة أن الله عز وجل سيدُخل صناديد الكفر مثل أبي جهل جهنم ليحترقوا بنارها التي لا تترك لحمًا أو عظمًا إلا وأهلكته، وهو تحذير للعصاة والفاسدين بما ينتظرهم من العذاب اذا استمروا في ظلمهم، ثم ينتقل النظم القرآني الى العدد تسعة عشر ليخبرنا الله عز وجل أن جنهم (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَر) أي يحرسها "19" ملكًا وفق ما ذهب اليه اكثر المفسرين الاوائل، فلما سمع المشركون نص الآية، وبلغهم ما تردد بين المسلمين من صفاتهم بأن أعينهم كالبرق الخاطف، وأنيابهم كالصياصي، يخرج لهب النار من أفواههم بطول 70 ذراعا، وما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة، ونزعت منهم الرحمة، بحيث يرفع أحدهم سبعين ألفا فيرميهم حيث أراد من جهنم، رد أبو لهب ساخرا: اتركوا لي سبعة عشر منهم واكفوني أنتم اثنين.
وصرخ أبو جهل في أهل قريش: ثكلتكم أمهاتكم، أسمع ابن أبي كبشة – يقصد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم - يخبر أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الشجعان، أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم؟ فرد احدهم: "أنا أمشي بين أيديكم على الصراط فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعة بمنكبي الأيسر في النار ونمضي فندخل الجنة"، وإزاء هذه السخرية الفجة أنزل الله عز وجل (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ).
وتفند الآية ردود المشركين الساخرة، وتقرر ان عدد الملائكة جاء على سبيل التحذير والتنبيه وليس الحصر، وما هو إلا اختبار للناس، ليزداد المؤمن ايمانا ويزداد المشرك ضلالا، وان كان المشركون قد استخفوا بصغر عدد حراس جهنم قياسا على قدرة البشر فهو قياس باطل، لأن الملائكة من جنس اخر، وقوة الواحد منهم تعدل قوة ملايين البشر او تزيد، كما ان أحوال الدنيا لا يمكن مقارنتها بما هو في الآخرة، ولذا فقد اختتم عز وجل الآية بقوله (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) أي لا يعلم عدد الملائكة الذين خلقهم الله لتعذيب أهل جهنم إلا هو وحده.
وكما كانت الاية سببا في فتنة المشركين في الزمن الاول، فقد تسببت في شيء مماثل في القرن العشرين، عندما خرج احد المختصين في مجال الاحصاء بنظرية في العدد " 19 "نشرها عام 1974 احدثت فتنة كبيرة بين المسلمين، لأنه بدأ دراساته بالتأكيد على الدلالات الإعجازية للعدد "19"، واعُتبر ذلك انتصارا جديدا للإسلام في عصر العلم، فتلقف ابحاثه بعض المتعجلين من كبار المشايخ انذاك، وأشادوا بما توصل اليه وعدّوه احد الناصرين للعقيدة والمجددين في الدين، ثم كشف هذا المختص عن وجهه الحقيقي فادعي النبوة وزعم ان بالقران الكريم آيات زائدة دُست على النص الاصلي بعد نزوله، وكانت حجته ان حذفها يؤدي لاستقامة ابحاثه بشأن العدد "19"، اي كان يريد الغاء يقين مليارات المسلمين عبر القرون من اجل اثبات نظريته العقيمة، وكان جزاؤه بشعا من جنس عمله المسيء، اذ عُثر عليه مقتولا عام 1990 بعد ان اطلق فتنة لاتزال بعض اصدائها تتردد حتى الآن من خلال ادعياء الاعجاز العلمي للقرآن، وأكثرهم مدلسون وباحثون عن الشهرة، يختلقون ارتباطات بين اعداد الايات والسور ليخرجوا للناس بنتائج لا تغني ولا تسمن من جوع وتصرفهم عن العمل النافع.
آخر الأخبار