منوعات
العصر... سورة تمثل منهجاً كاملاً لحياة البشرية
الأربعاء 14 أبريل 2021
30
السياسة
أشياء أقسم بها الله في القرآنكتب ـ محمود خليل:"نزل القرآن الكريم بلغة العرب ومن عاداتهم القسم إذا أرادوا تأكيد أمر، وقد جرى القران الكريم على هذا النحو، فاستخدم صيغا متعددة للقسم، منها ماهو ملموس وما هو معنوي، فما الأشياء التي استخدمها الله تعالى في القسم وما دلالاتها ؟"العصرسورة العصر سورة مكية، آياتها 3، ترتيبها في المصحف 103، تقع في الجزء الثلاثين، نزلت في الفترة ما بين ابتداء الوحي والهجرة إلى الحبشة، بعد سورة الشرح، وهي إحدى أقصر ثلاث سور في القرآن من حيث عدد الآيات، وهنَّ: "سورة العصر، سورة الكوثر، وسورة النصر"، قال عنها بعض العلماء، "لو تدبرها المسلمون لكفتهم"، أي أنَّها اشتملَت على جميع العلوم التي جاء بها القرآن الكريم.يعود سبب تسمية سورة العصر، لورود هذه الكلمة في مطلعها، إذ أقسم الله تعالى بها، وقد ادرك سلفنا الصالح ما لهذه السورة من أهمية حتى كان الرجلان من أصحاب رسول اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر ثمً يسلِّم أحدهما على الآخر.يقول أُبَيّ بْن كَعْب، قَرَأْت عَلَى رَسُول اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سورة "وَالْعَصْر"، ثُمَّ قُلْت، مَا تَفْسِيرهَا يَا نَبِيّ اللَّه؟ قَالَ: "وَالْعَصْر"، قَسَم مِنْ اللَّه، أَقْسَمَ رَبّكُمْ بِآخِرِ النَّهَار: "إِنَّ الْإِنْسَان لَفِي خُسْر": أَبُو جَهْل، "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا": أَبُو بَكْر، "وَعَمِلُوا الصَّالِحَات" عُمَر"، وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ، "عُثْمَان"، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" عَلِيّ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، ولكن هذا التفسير ضعيف.والراجح ان المقصود بقَوْله تَعَالَى، "وَالْعَصْر"، هو الدَّهْر، وَقِيلَ اللَّيْل وَالنَّهَار، قَالَ آخرون إِنَّهُ الْعَشِيّ، وَهُوَ مَا بَيْن زَوَال الشَّمْس وَغُرُوبهَا، وَقالَ البعض أن المقصود بالقسم هُوَ قَسَم بِصَلَاةِ الْعَصْر، وَهِيَ الْوُسْطَى، لِأَنَّهَا أَفْضَل الصَّلَوَات، يرى آخرون إن المقصود به عَصْرِ النَّبِيّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِفَضْلِهِ وبِتَجْدِيدِ النُّبُوَّة فِيهِ.بدأت السورة بأسلوب قسم "وَالْعَصْرِ"، لكن الغرض منه تذكير الإنسان بالعمل الصالح، ودفعه إلى أن يكون من عباد الله الصالحين الذين لم تغرهم كثرة المال والأولاد، اذ أقسم المولى عز وجل بالعصر، على أن الإنسان لفي خسر، أي في خسارة وهلاك، "إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ"، فاستثنى الذين آمنوا بقلوبهم، وعملوا الصالحات بجوارحهم، "وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ"، أي أداء الطاعات، وترك المحرمات، "وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ"، أي صبروا على المصائب والأقدار، وأذى من يؤذيهم.تمثل السورة منهجا كاملا للحياة البشرية كما يريدها الإسلام، تبرز معالم التصور الإيماني بحقيقته الشاملة في أوضح وأدق صورة، أي إنها الدستور الإسلامي كله في كلمات قصار، إذ تصف الأمة المسلمة، حقيقتها ووظيفتها، في الآية الثالثة من السورة، وهذا إعجاز لا يقدر عليه إلا اللَّه تعالى.كما ورد في السورة صفات الناجين من الخسران في الدنيا والآخرة، وهي صفات الإيمان بالله جل وعلا، العمل الصالح، التواصي بالحق، والتواصي بالصبر، لذا فإن الإيمان وحدَه لا يكفي للفوز والسعادة في الدارين، بل لابد من عمل الصالحات مع الإيمان، أي لابد من اقتران الإيمان بعمل الصالحات، فكلَّ إنسان في خسارة ونقصان وهلاك إلا مَن جمعوا بين الإيمان باللَّه، وعمل الصالحات، فإنهم في ربح، لا في خسران، إذ إنهم آمنوا بقلوبهم، وعملوا بجوارحهم وأعضائهم ، وفي هذا رد على من لم يقرن الايمان بالعمل .حاول مسيلمة الكذاب أن يأتي بمثلها، فقد روي أن عمرو بن العاص، قبل إسلامه ذهب إلى مسيلمة الكذاب، فقال له مسُيلمة: ماذا أُنزل على صاحبكم بمكة، فأجابه عمرو: لقد أُنزل عليه سورة بليغة وجيزة قصيرة ذات آيات متقنة، ثمَّ قرأ عليه سورة العصر.فكر مسيلمة وقال: وأنا أُنزل عليّ مثلها، فقال: يَا وبْر يَا وبْر، إِنَّمَا أَنْتَ أُذُنَانِ وَصَدْرٌ، وَسَائِرُكَ حَفرٌ نقْرٌ، فردَّ عليه عمرو بن العاص: والله إنك لتعلم أنني أقول إنَّك كذاب، أهذه كهذه، أين تذهب عقولكم؟، وكذَّبه.