الأخيرة
/
كل الآراء
العلاقات الإسرائيلية - التركية وأطماع أنقرة في المنطقة
الثلاثاء 17 ديسمبر 2019
5
السياسة
حمد سالم المريبدأت العلاقات بين تركيا وإسرائيل منذ تأسيس الجمهورية التركية على يد كمال أتاتورك في مارس 1949 وهي تعتبر ثاني أكبر دولة ذات غالبية مسلمة تعترف بالكيان الصهيوني، كدولة اسمها إسرائيل بعد اعتراف إيران بها. كان هناك اتفاق سري وستراتيجي عقد بين تركيا وإسرائيل عرف بـ" الميثاق الشبح" في خمسينات القرن الماضي، الذي ظل طي الكتمان عقودا من الزمن، ويتضمن تعاونا عسكريا واستخباراتيا وديبلوماسيا، وكانت وظيفته الأساسية موجهة ضد العرب، وتطورت هذه العلاقة مع مر السنين ما أدى إلى قيام الحكومة التركية بتعيين قائم بأعمال في تل أبيب عام 1986، وفي عام 1991 تم تبادل السفراء بين تركيا والكيان الصهيوني، ثم في عام 1996 تم التوقيع على اتفاقيات تعاون عسكري بينهما، وفي عام 2000 أصبحت اتفاقية التجارة الحرة بينهما سارية ما زاد من حجم التبادل التجاري. الإحصاءات الرسمية التي تصدرعن مؤسسة الإحصاء التركية كشفت عن وصول حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى ثلاثة مليارات و100 مليون دولار أميركي سنويا، وفي شهر إبريل الماضي أرسل الرئيس رجب طيب أردوغان بعثة تجارية إلى تل أبيب هي الأكبر، بمشاركة 100 ممثل عن شركات تركية من قطاعات أعمال مختلفة، وأجروا لقاءات تجارية مع شركات إسرائيلية، بهدف إنشاء تعاون اقتصادي واسع. وفي نوفمبر الماضي ارتفع حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل مقارنة بالفترة نفسها من عام 2018 ليصل إلى 130 مليون دولار، كما أرسل أردوغان طائرات إطفاء للمشاركة في إخماد الحريق الضخم الذي شب في إسرائيل في نوفمبر عام 2016، وسبقت تركيا الحكومة الأميركية باعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، في الوقت الذي يصرح فيه الرئيس التركي بأن القدس عاصمة فلسطين، وأنه يرفض الاحتلال الإسرائيلي في تناقض واضح بين أقواله وأفعاله كرئيس للدولة التركية، والسبب في هذا التناقض خداع اتباعه من الرعاع العرب، وبخاصة جماعة الإخوان المفلسين، الذين ينعتونه بلقب خليفة المسلمين، وهم يعلمون بأنه يحكم وفق النظام العلماني، الذي أسسه كمال أتاتورك. فيا عجبا من أناس يلقبون رئيس دولة لها علاقات وثيقة مع المحتل الصهيوني في جميع المجالات ويحكم وفق نظام علماني بلقب خليفة المسلمين، في الوقت الذي ينعتون فيه الحكام العرب المسلمين، بأنهم عملاء للصهاينة! ولكن إذا عرفنا السبب بطل العجب، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان له أطماع في المنطقة من خلال محاولاته بسط سيطرته السياسية، وحتى العسكرية عليها تحت ذريعة ارجاع ميراث أجداده، كما نقلت عنه وكالة الأناضول في الاجتماع الحزبي الذي عقده بتاريخ 20 يناير 2019 قوله: "لهذا نتشبث بميراث الأجداد في كل مكان، بدءا من آسيا الوسطى وأعماق أوروبا، إلى جزيرة سواكن في السودان." هذا ما نراه من بنائه قواعد عسكرية في قطر وليبيا، ودخوله عسكريا داخل أعماق الأراضي السورية، أما جماعة الإخوان فقد وجدت في تركيا ملاذا لأتباعها الهاربين من بلدانهم، ودعما سياسيا وماليا لها لكي تستمر في سعيها لتحقيق هدف الوصول إلى سدة الحكم في دولها العربية. ما تقوم به تركيا حاليا من دعم لحكومة الوفاق الليبية، وتدخل في الشؤون الليبية، ليس حبا في ليبيا، ولا في الشعب الليبي، ولا في حكومة الوفاق، بل بسبب طمعها في البترول الليبي الذي يعتبر من أفضل وأغلى أنواع البترول في العالم، وكذلك طمعها في موقعها الجغرافي في قلب دول المغرب العربي، وملاصقتها لمصر التي بينها وبين تركيا خلاف سياسي، بسبب دعمها للإخوان، مما يعطيها فرصة للتدخل في الشؤون المصرية، وكذلك محاصرة مصر عسكريا، وهذا ما جعل الرئيس التركي يطلب من البرلمان السماح له بإرسال قوات عسكرية، وإنشاء قاعدة لها في ليبيا؛ لمؤازرة حكومة الوفاق ما جعل مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي يوم الاثنين 16 الجاري يصرح قائلا :"ليبيا باتت تحت مسؤولية تركيا "، ولكن قد تجهل تركيا بأن دخولها عسكريا في ليبيا سوف يكلفها الكثير عسكريا وسياسيا ،وأن تجربتها في التدخل العسكري السوري لن تكون مماثلة لتدخلها العسكري في ليبيا، لعدة أسباب منها البعد الجغرافي والاختلاف السياسي بين القضيتين السورية والليبية.