منوعات
الكوفة... مدينة الإمام علي بن أبي طالب وقبلة العلم
الثلاثاء 20 أبريل 2021
10
السياسة
إعداد - علا نجيب:تقع مدينة الكوفة جنوب غرب بغداد، إذ تبعد عنها 156كم، وتعرف بالفرات لوجود النهر العتيق بها، وتتبع حاليًا محافظة النجف، وتمتاز بتربتها الخصبة وجوها النسيمي العليل. تُنطق الكوفة بضم الواو، وتعنى الرملة الحمراء المستديرة، والأرض التى تجتمع فيها الرمال مع الطين والحصي، كما عرفت بأنها"كوفة الجند"، في إشارة لأنها كانت مركزا عسكريا تم تأسيسه في عهد الخليفة العادل عمر بن الخطاب، في العام 638م، وكانت تسكنها قبائل بربرية مع العرب والفرس.أصدر الخليفة عمر بن الخطاب أوامره للقائد سعد بن أبي وقاص بتأسيسها لتكون "دار هجرة ومنزل جهاد"، أي أن تكون مركزا لإمداد المدن المحيطة بها بالقوات والجيوش اللازمة لحمايتها، وبخاصة إنها منطقة جغرافية تصلح للعيش بها ولا تؤثر على صحة الجند.اختار سعد المنطقة لأنها مرتفعة عن الماء ولا تتأثر بالفيضانات ما يضمن الحماية لها، كما أنها قريبة من نهر الفرات مما يضمن ماء عذبًا للزراعة، لإضافة إلى أن خلوها من الحشرات المؤذية والحيوانات الضارية جعلها المكان الأمثل للسكن والإقامة، فكانت بيوتها من القصب والبردي، بدلا من الخيام التي لا تتناسب مع الحياة الجديدة، لكن وقع حريق هائلا دمر أكثر من ثمانين بيتًا مما دفع أهل المدينة الوليدة لبناء منازلهم من الطوب اللبن لتكون أكثر ثباتا وقوة.حرص سعد على بناء المسجد الجامع، كما بنت كل قبيلة مسجدا خاصا بها، لأن المساجد حينذاك كانت مركزا لحل القضايا والخلافات، وأنشأ بيت المال ودار الإمارة لمتابعة شؤون المدينة الجديدة. وفي العصر الأموي أعاد سكان المدينة تشييد بيوتهم مستخدمين الآجر، وزادت أعداد المساجد بشكل كبير وتمت إعادة تشييد دار الإمارة مرة أخرى.احتضنت المدينة الكثير من المساجد المهمة مثل، مسجد الكوفة الذي استشهد فيه الخليفة علي بن أبي طالب، ومنها المسجد الأعظم، مسجد السهلة، مرقد الإمام مسلم بن عقيل، ومرقد المختار الثقفي.لم تكن الكوفة مدينة عادية مثل باقي المدن الإسلامية، إذ ظلت قبلة الراغبين في تلقي العلم، فقد ولد فيها الكثير من الفلاسفة والشعراء وفقهاء الدين، كما كانت أولى العواصم الإسلامية خارج شبه الجزيرة العربية، حيث اتخذها الإمام علي بن أبى طالب مقرًا للحكم في العام 36 من الهجرة، ليتابع شؤون الأراضي التي فتحها المسلمون ويدعم أواصر الإسلام بها. وكانت أولى المدن الإسلامية التي بنيت بها المدارس المختلفة، مثل، المدرسة الفقهية، مدرسة الكوفة النحوية، وظلت وجهة النحاة والشعراء يحزمون حقائبهم ويرتحلون إليها، إذ ولد بها أبو الطيب المتنبي وأبو العتاهية، وأبو الأسود الدؤلي الذي لا تزال كتبه تتربع على عرش الفهارس النحوية النادرة، كما كانت بيئة خصبة للعلماء، مثل، جابر بن حيان. زارها المستشرقون الأجانب ورحالة العرب المشاهير، مثل ابن بطوطة، ابن جبير الأندلسي، الذي زارها في أواخر مجدها وقوتها، وكتب على بابها عبارة رثاء ما زالت محفورة في كتبها القديمة، "مدينة عتيقة البناء، قد استولى الخراب على أكثرها، فالغامر منه أكثر من العامر". وقد ارتبط علي بن أبي طالب ارتباطا وثيقا بالكوفة، وأثر عليها من الناحية التاريخية والعمرانية، إذ باتت رائدة العلوم النحوية واللغوية، فقد أمر أبو الأسود الدؤلي بترسيخ علم النحو وقواعده اللغوية، وبرع أنصاره في نشر الدعوة الإسلامية، ونقلوا علومهم الشرعية للسكان الأصليين، كما أعطى أوامره ببناء خندقًا لحماية المدينة وتأمينها من خطر القبائل الأخرى، ووقع في عشق الكوفة منذ أن لمست قدماه أرضها، حيث سكن في بيت أبيض متواضع بجوار دار الإمارة تتوسطه بئرا، ولا تزال مياهها تضخ إلى اليوم.