كتب ـ اندريا لوريا:ان هذه المقالة في صحيفة "عرب تايمز" و"السياسة" هي فرصة استثنائية أتيحت لي لمرافقتكم في اكتشاف المتاحف الكبيرة او الفائقة. تهدف مقالاتي إلى أن تكون رحلة عبر المتاحف الفائقة في القرن الحادي والعشرين من العالم الغربي إلى الشرق الأوسط.وان كانت المجتمعات والبلدان والمدن الغربية والشرق أوسطية مختلفة تمامًا عن بعضها بعضا في جوانب عدة، فإن المتحف الفائق له الميزات نفسها في الغرب والشرق الأوسط.في هـذه المقالـة الأولى، سأشرح أولاً ما هو المتحـف الفائـق، وكيف بدأت هذه الظاهرة أولاً في الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، ومن ثم في الشرق الأوسط، اما في مقالات الأسابيع المقبلة، فسأحلـل الحـالات المختلفـة للمتـاحـف الفائقـة في الـشرق الأوسط وخارجه.الظاهرة العالميةإن ظاهرة المتاحف الفائقة هي ظاهرة عالمية في فن تنظيم المتاحف وعلمها، ولدت في القرن العشرين، وتطورت بشكل كامل في القرن الحادي والعشرين.والمتحف الفائق هو متحف بكتل معمارية مذهلة وفخمة، وخيارات جمالية تشبه المنحوتات أكثر من المبانى، والتي تهدف إلى إبهار المشاهد، وللمرة الاولى من خلال ظاهرة المتحف الفائق، تخلق منافسة بين الحاوية والمحتوى عبر مراوغة قوية للهندسة المعمارية على المجموعة، فيما الأولوية هي تحويل مبنى المتحف إلى مبنى رائع على فعالية عرض الأعمال الفنية المعروضة.يستمر المبنى ليصبح عملاً فنياً مستقلاً عن وظيفته العرضية، لا يمكن اعتبار المتحف الفائق حاوية بسيطة للفنون مثل المتاحف التقليدية، اذ ان قوته التعبيرية قوية لدرجة أنه يعتبر العمل الفني الرئيس للمجموعة هو المبنى نفسه.تأثير المتحف على المدينةلقد أصبح المتحف الفائق المبنى الرائد في السياق الحضري، ولم يؤثر فقط على الحي الذي يقع فيه، لكن أيضًا على المدينة بأكملها، ويرجع النجاح الكبير للمتحف الفائق إلى الإمكانات الإبداعية التي تجعله وسيلة اتصال ممتازة، ففي خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين، أصبحت المتاحف الفائقة نقاط تجمع العامة، ومطلوبة بشكل متزايد ممن يرغبون في مساحات عرض أكبر، لكن أيضًا مناطق ترفيه. مجتمعنا اليوم هو مجتمع عالمي حيث مهندسو المتاحف الفائقة هم مشاهير المعماريين العالميين، تتم دعوتهم الى بناء المتاحف والأعمال الفنية، و شهرة هؤلاء المعماريين ضرورية للنجاح الإعلامي للمتحف الفائق. كل هذه المتاحف لها الميزات والصفات نفسها، فهي مذهلة وسينوغرافية وواسعة ومهتمة بجمهورها وهادفة للترحيب به وترفيهه بأفضل طريقة ممكنة، لذا أصبح المبنى عملاً فنياً مستقلاً عن وظيفته العرضية. وستكون أيضًا عملًا فنيًا، أو ربما العمل الفني الرئيس بهوية ذات تكوين كتلي وجمالي يعلنها النجم المعماري في رؤيته الى المتحف.بدأت ظاهرة المتاحف الفائقة مع متحف سولومون روبرت غوغنهايم في نيويورك، وهو المشروع العظيم الأخير للمهندس المعماري الأميركي فرانك لويد رايت، أحد أكثر المهندسين المعماريين تأثيراً في القرن العشرين. متحف غوغنهايمأراد القطب الأميركي سولومون آر غوغنهايم عرض مجموعته الفنية التي تضمنت روائع لفاسيلي كاندينسكي وبيت موندريان ومارك شاغال وروبرت ديلاو ناي وفرناند ليغر وأميديو موديلياني وبابلو بيكاسو. فكلف لويد رايت لبناء هذا المتحف، وكانت الابتكارات التي أدخلها هذا المتحف الأميركي مذهلة، لا سيما عندما ننظر إلى أن متحف غوغنهايم قد تم إنشاؤه في عام 1959، لكن بدأت مشاريع بنائه في عام 1943، عندما كان نموذج المتحف الكلاسيكي لا يزال واسع الانتشار في الولايات المتحدة، كما يمكن رؤيته في المتحف الوطني للفن في واشنطن الذي افتتح عام 1937. يعد متحف اس ار غوغنهايم في نيويورك أحد أهم الأعمال المعمارية في القرن العشرين وهو لا يزال يُعرف بأنه أحد روائع العمارة المعاصرة حتى يومنا هذا، وهو أيضًا المتحف الذي أحدث ثورة في هندسة المتاحف في القرن العشرين. ليس فقط ان متحف غوغنهايم في نيويورك هو النموذج الأولي للمتحف الفائق بالإضافة إلى كونه معلمًا حضريًا قويًا المؤثرة على الحي بأكمله، بل ايضا على مدى العقود اللاحقة، اصبح متحف غوغنهايم أحد النماذج المركزية في التصميم المعماري للمتاحف. الهروب من النسيانايضا متحف يمكن اعتباره مثالًا مثاليًا للمتحف الفائق، وهو متحف غوغنهايم ببلباو من تصميم المعماري فرانك أو. جيري، وهو أحد أكثر الأسماء تأثيرًا في حركة العمارة التفكيكية (حركة معمارية ما بعد الحداثة)، ومن أشهر المهندسين المعماريين على المستوى العالمى.من ناحية التكوين الكتلي والجمالي، فإن المتحف مثير للدهشة بسبب نظامه الانشائي المختلف وغير الاعتيادي، اذ ان متحف غوغنهايم ببلباو هو عمل لم يسبق له مثيل، ليس فقط نسبة الى فن تنظيم المتاحف وعلمها، لكن الهندسة المعمارية وتخطيط المدينة ايضا. المتحف له تأثير قوي على المنطقة والضاحية، لكنه تمكن من التوافق بشكل جيد مع المساحات المحيطة، وكان أساسيًا في إعادة تأهيل المدينة والمنطقة المحيطة بها.لم يصبح المتحف أكبر معلم في المدينة فقط، لكن أيضًا الرمز الجديد للمدينة وهويتها الجديدة، مما ساعد بلباو على الهروب من النسيان، مما منحها شهرة عالمية بدلاً من ذلك.اصبح متحف غوغنهايم بلباو القرن العشرين جسرًا بين الهندسة المعمارية للقرن العشرين والعمارة المستقبلية للقرن الحادي والعشرين، والتي ستعتبر متحف غوغنهايم بلباو مرجعًا رئيسيًا لا غنى عنه، وفي هذا الشأن هناك اثنان من المتاحف الأوروبية الممتازة والممتعة في القرن الحادي والعشرين والتي يمكن الاستشهاد بها هما "ماكسي" ومؤسسة "لويس فويتون" للشركات، فقد تم افتتاح متحف "ماكسي" في عام 2010 ويقع في روما، وقد صممته المهندسة المعمارية زها حديد (ولدت في بغداد 1950 وتوفت في ميامي 2016)،وكانت زها حديد مهندسة معمارية ومصممة عراقية بريطانية، و كانت أحد أبرع دعاة حركة العمارة التفكيكية، ولقد حصلت على العديد من الجوائز، ومنها جائزة "بريتزكر" في عام 2004 (أول امرأة تحصل عليها) وجائزة "ستيرلنغ" في عام 2010 (لمشروع متحف "ماكسي") و في عام 2011.افتتح متحف مؤسسة لويس فويتون للشركات عام 2014 وصممه المعماري فرانك او. جيري الذي صمم متحف غوغنهايم ببلباو. في السنوات الأخيرة، أدركت العديد من الدول العربية القوة الإعلامية لهذه الظاهرة وقررت بناء متاحف فائقة، وهذه كلها مبانٍ ذات أشكال فائقة الحداثة، وقبل كل شيء مبنية على نطاق واسع.مع إنشاء المتاحف الكبيرة هذه، والتي أثارت منافسة حتمية بينها، تهدف دول الشرق الأوسط عبر المشاركة في هذه العملية إلى منافسة المتاحف المرموقة في الغرب، وتشمل هذه المتاحف مركز الشيخ عبد الله السالم الثقافي في الكويت، الذي صممته "اس اس اتش"، وهي إحدى أهم شركات التصميم في الشرق الأوسط، وتم افتتاح المركز في عام 2018، وهو المتحف الكويتي الرئيسي، وأكبر متحف ومركز معارض في الكويت، فضلاً عن كونه واحدًا من أكبر المتاحف في العالم بفضل مساحته البالغة 22000 متر مربع. اما المتاحف الأخرى في شبه الجزيرة العربية التي يجب أن نذكرها هي متحف اللوفر أبو ظبي الرائع، المعروف أيضًا باسم متحف الحضارات، تم افتتاحه في نوفمبر 2017 في جزيرة السعديات بأبو ظبي، ومتحف قطر الوطني الذي تم افتتاحه في عام 2019 ويقع في العاصمة القطرية الدوحة، كلا المتحفين من عمل النجم الفرنسي العالمي جان نوفيل (ولد في فومال 1945) الحائز على العديد من الجوائز المهمة مثل جائزة بريتزكر عام 2008. بالإضافة إلى دول الخليج، بدأت ظاهرة المتاحف الفائقة في مصر، والتي رغم عدم امتلاكها الموارد الاقتصادية نفسها مثل الإمارات العربية المتحدة أو الكويت أو قطر، إلا أنها أدركت القوة الإعلامية للمتاحف الضخمة، وكيف ان من خلال انشاء المتاحف الفائقة يمكن تغيير صورة بلدهم. المتحفان المصريان الفائقان هما المتحف الوطني للحضارة المصرية الذي تم افتتاحه في عام 2021، والمتحف المصري الكبير الذي سيتم إنشاؤه على الأرجح خلال العام الحالي، ويقع كلا المتحفين في القاهرة. لقد شرحت لكم اليوم ولادة وتطور المتاحف الفائقة من خلال مقارنة بين العالم الغربي والعالم الشرق أوسطي، اما في المقالة التالي سنتحدث عن متحف اللوفر المذهل في أبو ظبي الذي صممه جان نوفيل. الكاتب عالم متاحف إيطالي، حاصل على درجة في تاريخ الفن من جامعة روما المترجم المستشار المعماري ايلاريا هاني عبدالمسيح

متحف اللوفر في أبو ظبي

متحف قطر الوطني

المتحف المصري الكبير في القاهرة

متحف اس ار غوغنهايم في نيويورك

متحف غوغنهايم بلباو في إسبانيا