منوعات
المشارق والمغارب
السبت 08 مايو 2021
90
السياسة
أشياء أقسم بها الله في القرآنكتب ـ محمود خليل:"نزل القرآن الكريم بلغة العرب ومن عاداتهم القسم إذا أرادوا تأكيد أمر، وقد جرى القران الكريم على هذا النحو، فاستخدم صيغا متعددة للقسم، منها ماهو ملموس وما هو معنوي، فما الأشياء التي استخدمها الله تعالى في القسم وما دلالاتها ؟"المشارق والمغاربأقسم الله بـ "المشارق والمغارب" في قوله تعالى: "فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ"، وقد ورد هذا القسم في سورة "المعارج" وهي سورة مكية، آياتها 44 آية وترتيبها في المصحف 70، في الجزء التاسع والعشرين، الحزب 57، نزلت بعد سورة الحاقة، سميت بهذا الاسم لأنها تصف حال الملائكة في عروجها إلى السماء، كما تسمى أيضًا سورة "سَأَلَ سَائِلٌ"، بدأت بفعل ماض سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ.وقد تناولت السورة الحديث عن القيامة وأهوالها والآخرة وما فيها من سعادة وشقاء، يدور محورها عن كفار مكة وإنكارهم للبعث والنشور، واستهزاؤهم بدعوة الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، حتى قيل انها نزلت في النضر بن الحرث، أحد كفار قريش، - وقيل هو أبو جهل، وقالَ آخرون بأنه الحرث بن النعمان الفهري -، حين قال عندما أنكر واستهزأ بما يقوله النبي، صلى الله عليه وسلم: "إِن كَانَ هَذا هُوَ الحقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّن السماءِ أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ"، فأسقط الله تعالى حجرًا على رأسه فمات على الفور.قيل أيضًا أن النبي، صلى الله عليه وسلم، استعجل عذاب الكافرين من قومه، فسأل الله تعالى بموعد عذابهم، فقيل ان الله أوقع عذابهم في غزوة بدر حيث قُتل النضر بن الحرث، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم، إن عذابهم في الآخرة هو دخولهم النار.جاء قسم الله بـ "المشارق والمغارب" في الآيات من الأربعين وحتى الثانية والأربعين من هذه السورة، لما فيها من الآيات الدالة على البعث، والمعنى إن الله تعالى الذي خلق المشارق والمغارب، قادر على أن نستبدل الكفار بقوم أفضل منهم وأطوع لله، وما أحد يعجزه إذا أراد، وجاءت "فلا"، لا زائدة، وجمع سبحانه وتعالى، المشارق والمغارب، لأن لها في كل يوم من أيام السنة مشرقا معينا تشرق منه، ومغربا معينا تغرب فيه.يقول ابن عباس: إن الشمس تطلع في ثلاث مئة وستين كوّة، فإذا طلعت في كوّة لم تطلع منها حتى العام المقبل، ولا تطلع إلا وهي كارهة.تعد الآية إعجازا قرآنيا بعدما أثبت العلم الحديث أن الشمس لا تشرق من مكان واحد، ولا تغرب فى مكان واحد، إذ إن تبادل الأيام والفصول على الموقع الواحد في كل سنة، وبتعدد المواقع على خط العرض الواحد مع تعدد خطوط الطول، وعلى خط الطول الواحد تتعدد خطوط العرض، وبتعدد كل ذلك، تتعدد المشارق والمغارب تعدداً مذهلاً، فسبحان الذي أقسم بها!إن ذكر المشارق والمغارب، يوحي بعظمة الخالق، ففي كل لحظة يوجد مشرق ومغرب للشمس بسبب دوران الأرض حول نفسها، فالشمس تطلع على منطقة وفي الوقت نفسه تغيب عن منطقة وهكذا كل يوم، لا يقتصر وجود المشارق والمغارب على كوكب الأرض، بل الكثير من الكواكب في الكون تخضع أثناء دورانها حول نفسها لمشارق ومغارب كل لحظة، وهكذا يوجد عدد لا نهائي من المشارق والمغارب.جاءت الإشارة في كتاب الله تعالى إلى كل من المشرق والمغرب مفردا، مثنى، وجمعا، تأكيداً على العديد من حقائق الأرض، وحقائق أجرام السماء وهي حقائق لم تدرك إلا مؤخرا، فمن قوله تعالى عنها مفردا: "وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"، ومن قوله تعالى مثنى: "رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ"، ومن قوله تعالى جمعا: "وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا". أثبت العلم الحديث بالصور وجود المشارق والمغارب، وكلما اكتشف العلم شيئاً جديداً وجدنا أن القرآن الكريم كان سباقاً في ذلك، ما يجعلنا ندرك عظمة قسم الله تعالى بهذه المشارق والمغارب، وهذا دليل على أن القرآن الكريم صوَّر لنا الكون قبل تصويره من قبل المركبات الفضائية بأربعة عشر قرناً.