السبت 27 يوليو 2024
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
المعهد العربي العالمي في باريس… إضاءات وفراغات وشفافية
play icon
اندريا لوريا
الثقافية

المعهد العربي العالمي في باريس… إضاءات وفراغات وشفافية

Time
الخميس 07 سبتمبر 2023
View
125
السياسة

يقع على ضفاف نهر السين ومبناه جزء من التصميم الباريسي

اندريا لوريا

في الأشهر الماضية، تحدثت كثيرًا عن أعمال أحد مشاهير المعماريين المفضلين لدي، وهو المصمم الفرنسي جون نوفيل. وفي الخليج قام نوفيل بتصميم متحف اللوفر أبوظبي الذي تم إنشاؤه عام 2017 ويقع في جزيرة السعديات في أبو ظبي بالإمارات العربية المتحدة، ومتحف قطر الوطني الذي افتتح عام 2019 ويقع في الدوحة بقطر. كلا المتحفين ليسا من أجمل المتاحف الفائقة في الخليج فحسب بل في العالم أيضًا، فهما قطعتان فنيتان.
يعد جان نوفيل أحد أشهر المعماريين المعاصرين في العالم، وقد حصل على عدد من الأوسمة المرموقة على مدار حياته المهنية، بما في ذلك جائزة وولف في الفنون عام 2005، وجائزة بريتزكر عام 2008 وجائزة الآغا خان للعمارة لتصميم مشروع معهد العالم العربي "IMA".
لقد كان لجون نوفيل دائمًا علاقة خاصة مع العالم العربي، كما أخبرتكم أن المعماري الفرنسي قد صمم متحفين استثنائيين في الخليج وهما متحف اللوفر أبو ظبي ومتحف قطر الوطني. ومع ذلك، فإن هذه العلاقة الخاصة مع العالم العربي بدأت قبل سنوات عديدة، مع مشروع تصميم معهد العالم العربي الجميل في باريس، والذي فاز به نوفيل بجائزة الآغا خان المرموقة للعمارة عام 1989.
معهد العالم العربي "IMA" هو منظمة أنشأتها فرنسا في باريس عام 1980 مع 18 دولة عربية للبحث ونشر المعلومات حول العالم العربي وقيمه الثقافية والروحية. تأسس المعهد نتيجة لنقص تمثيل العالم العربي في فرنسا، ويسعى إلى توفير موقع مدني لتعزيز الحضارة العربية والفن والمعرفة والجماليات. هذا المشروع هو نتيجة تمويل كل من جامعة الدول العربية والحكومة الفرنسية، وتبلغ تكلفة المبنى حوالي 230 مليون يورو.
يتمتع معهد العالم العربي بموقع جميل حقا في باريس، حيث يقع على ضفاف نهر السين. تم تصميم المعهد وتنفيذه من قبل فريق من المهندسين المعماريين بما في ذلك جون نوفيل بالتعاون مع مصممين آخرين "جيلبرت ليزينيس" و"بيير سورية".
يريد المبنى الذي صممه جون نوفيل لمعهد العالم العربي "IMA"، أن يكون رمزًا معماريًا حديثًا للحوار بين الثقافة الغربية والعالم العربي، وقد تم افتتاح معهد العالم العربي علنًا في ديسمبر 1987.
يعد المعهد جزءًا لا يتجزأ من التصميم العمراني الباريسي، حيث إنه يعكس تصميم مباني جامعة جوسيو القريبة، بينما في الوقت نفسه يتميز بوضوح بمشربياته. يضمّ المعهد متحفًا ومكتبة وقاعة محاضرات ومطعمًا ومكاتب وقاعات اجتماعات.
يوجد داخل المتحف قطع فنية من العالم العربي، تعود إلى ما قبل الإسلام وحتى القرن العشرين. إحدى المبادرات الرئيسية داخل المتحف هي إدراج المعارض الخاصة.
فاز استوديو الهندسة المعمارية مع جون نوفيل بمسابقة التصميم في عام 1981. تم تشييد المبنى بين عامي 1981 و1987 وتبلغ مساحته 181850 قدمًا مربعًا "16894 مترًا مربعًا".
يقع المبنى في الدائرة الباريسية "V"، في شارع " des Fossés-Saint-Bernard " ويعمل كمنطقة درع بين حرم جوسيو الجامعي في بيير وجامعة ماري كوري، المبنيتين في كتل عمرانية كبيرة ونهر السين. تتبع واجهة المبنى المقابلة للنهر منحنى الممر المائي، مما يقلل من صلابة الشبكة المستطيلة ويوفر إطلالة جذابة من جسر "سولي". وفي الوقت نفسه، يبدو المبنى وكأنه يطوي نفسه باتجاه منطقة "سان جيرمان دي بري".
المبنى عبارة عن مزيج من التصميم المتطور والتكنولوجيا المتقدمة للغاية. وعلى النقيض من السطح المنحني على جانب النهر، فإن الواجهة الجنوبية الغربية عبارة عن جدار ستارة زجاجي خفيف للغاية ومستطيل الشكل، ويواجه مساحة عامة مربعة كبيرة تفتح في اتجاه "إيل دو لا سيتي" و "نوتردام". تظهر خلف الجدار الزجاجي شاشة معدنية تظهر عليها زخارف هندسية متحركة. الزخارف عبارة عن 240 فتحة أو مصاريع حساسة للضوء يتم التحكم فيها بمحرك، والتي تعمل بمثابة شعاع شمسي متطور يفتح ويغلق تلقائيًا للتحكم في كمية الضوء والحرارة التي تدخل المبنى من الشمس. تعمل هذه الآلية على إنشاء مساحات داخلية مع ضوء مفلتر - وهو تأثير يستخدم غالبًا في العمارة الإسلامية بستراتيجياتها المهتمة بالمناخ.
تصميم المبنى متطور للغاية وراقٍ مما يوضح مرة أخرى كيف أن جون نوفيل ليس فقط مهندسًا معماريًا راقيًا ولكنه أيضًا ذكيا للغاية . فقد أدى الاستخدام المبتكر للتكنولوجيا ونجاح تصميم المبنى إلى وصول نوفيل إلى الشهرة وهو أحد النقاط المرجعية الثقافية في باريس.
كالعادة مشاريع نوفيل متطورة جداً ورمزية في نفس الوقت، فالمعماري يحاول دائماً تفسير رموز الثقافات والشعوب من خلال التنقيب في الماضي مثل عالم الأنثروبولوجيا. يجسدّ التصميم الداخلي باستخدام اللون الأبيض والرمادي و التلاعب السلس بشفافية الهيكل مفهوم المعهد ذاته، كل شيء في المبنى يدور حول الرمزية ويسلط الضوء على غرض وأهداف المعهد الرئيسية. يتصاعد برج الكتب ليربط طوابق عدة بالمكتبة، أما المساحات فواسعة مضيئة حول الفناء، وغابة من الأعمدة تنتشر حول قاعة الأعمدة. وهذه إشارة إلى الزقورات العراقية ومئذنة جامع سامراء وداخل قصر دار عزيزة وأروقة جامع قرطبة الكبير.
لاسباب متعددة ليس فقط بفضل وجود أغشية فوتوغرافية، يكشف المبنى عن علاقة وثيقة ومقنعة بين الهندسة المعمارية والسينما. فهو يتمتّع بطاقة كبيرة لدرجة أنه عند زيارته، يكون لدى المرء انطباع بأنه يدخل في لقطة فيلم. وقد تم التأكيد على هذا الجانب أيضًا بكلمات نوفيل: "يمكن اعتبار تسلسل الممرات بين أحجام ومستويات الإضاءة المختلفة، وفقًا للمسارات المختلفة بداخلها بمثابة سلسلة من زوايا وفتحات عدسة فوتوغرافية.
إن المشروع ليس مجرد معهد للثقافة العربية: إنه مكان يلتقي فيه الباريسيون، إنه متحف ومكتبة، إنه وجهة نظر مذهلة، ولكنه أيضًا مقهى حيث يمكنك الدردشة والاسترخاء، إنه مكان لدراسة ومناقشة بين الثقافتين الأكثر تمثيلاً في باريس: الغربية والعربية.
المشروع مذهل، حيث يُظهر جون نوفيل في هذا المشروع فهمًا رائعًا للعمارة والثقافة والروح العربية. وبالفعل من الممكن عقد أوجه تشابه بين بعض عناصر المعهد وعدد من المباني العربية التقليدية. على سبيل المثال فإن الزخارف المستعربية المربعة والمتعددة الأضلاع للجدران الجنوبية مستوحاة من تصاميم قصر الحمراء في غرناطة.
ورغم هذه الإشارات إلى العالم العربي، يعرف نوفيل أن المبنى يقع في وسط باريس في وسط أوروبا، ويريد المعهد ترسيخ نفسه كمبنى أوروبي. فكرة المركز الثقافي الذي يضم مساحات للمعارض والفعاليات والعروض والمؤتمرات والمناقشات، بالإضافة إلى مكتبة وسينما ومركز توثيق هي فكرة فرنسية نموذجية، ومن الجدير بالذكر مركز جورج بومبيدو الشهير. مركز بومبيدو "المركز الوطني للفنون والثقافة جورج بومبيدو"، هو مبنى معقد في منطقة "بيوبورج" في الدائرة الرابعة في باريس بالقرب من "ماريه". صُمّم على طراز الهندسة المعمارية عالية التقنية من قبل رينزو بيانو وريتشارد روجرز وافتتح في عام 1977.
افتتح معهد العالم العربي في باريس عام 1987، وهو بالتأكيد معهد يروج للثقافة والفنون العربية، ولكن بفضل المبنى الذي صمّمه جون نوفيل فإنه يفعل ذلك بطريقة حديثة وآسرة للغاية.

أندريا لوريا
بروفيسور أندريا لوريا، هو عالم آثار إيطالي تخرج من أكاديمية الفنون الجميلة في روما. وهو حاصل أيضًا على درجة في تاريخ الفن من جامعة روما تري في روما . ويحاضر لطلبة الماجستير في علم المتاحف في جامعتي تور فيرغاتا في روما وجامعة تمبل الأميركية "حرم روما الجامعي".
في عام 2020، أصبح مؤلفًا منشورًا لكتاب: "من عصر النهضة إلى المتحف المعاصر"، وهو أيضًا يعدّ دليل محاضراته. مجال بحث لوريا هو ظاهرة المتاحف الفائقة مع اهتمام خاص بالدول العربية مقارنة بالعالم الغربي.
الترجمة العربية: المعمارية المصرية ايلاريا عبد المسيح.



المعهد العربي العالمي في باريس




زخارف وشفافية




إضاءات وحركة مستمرة


آخر الأخبار