يعد كتاب الدكتور أحمد زايد "المواطنة.. الهوية الوطنية والمسؤولية" الصادر عن دار العين للنشر 2018، من أهم الكتب الصادرة هذا العام في مجاله. حيث يتناول في ستة فصول متباينة الحجم المفاهيم الأكثر جدلا واشكالية لدى الباحثين في هذا المجال، خصوصا بعد 25 يناير 2011 وما أطلق عليه الربيع العربي. يقدم الكتاب مفاهيم المواطنة، والهوية الوطنية، والمسؤولية الاجتماعية، إذ يقرر الكاتب في مقدمته ان فهما مكتملا لهذه الموضوعات الثلاثة لم يكن ممكنا من دون معالجة موضوعات أخرى مهمة في فهم قضية المواطنة وما يتعلق بها من قضايا مثل قضية العدالة الاجتماعية، ومفهوم المدنية وكذلك التعليم.يتناول الفصل الاول من الكتاب مفهوم العدالة الاجتماعية بين الواقع والمثال، وضرورتها وارتباطها بالتنمية، منتهيا بتقديم تعريف لمفهوم العدالة الاجتماعية. وحسب الكاتب ،فالنظر إلى الهوية الوطنية على أنها تتخذ طابعا معينا فيما يتصل بدرجة الانخراط الوطني.فالحراك الثوري الذي ظهر في بقاع عدة من العالم في 2011، ما هو إلا سعي نحو العدل ورغبة في العيش البسيط الذي يفيض فيه الحب والسلام، والتطلع إلى العيش الكريم الحر، ولا شك أن العيش الكريم لا يتحقق إلا في مجتمع عادل يسود فيه القانون وتصان فيه الحقوق والكرامة.يقول الكاتب: هذه الصورة المثالية للمجتمع التي يصبو البشر إلى تحقيقها ليست قائمة، وهي تشكل صورة مثالية تختلف اختلافا كبيرا عن الواقع. كما ان تحقيق هذه الصورة ليس سهلا، بل مستحيل، فثمة دائما درجات ومستويات تبقى دائما غير مكتملة وناقصة، وهذا الوضع هو الذي يجعل الجدل لا ينقطع بين الواقع والمثال ، ويعرج بنا الكاتب حول تأثيرات العولمة فيقول: ظروف العولمة وما يرتبط بها من أشكال اللامساواة والتهميش، والاقصاء تعمل على ظهور المشاعر والنعرات المحلية والعرقية، وتبدو الثقافات المحلية وكأنها في حالة من العراك الدائم، هنا تتحول صور الانتماء الوطني التي تتسم بالشمول والكلية إلى صور من الانتماء المحلي والديني والعرقي والثقافي، الأمر الذي يضع قضية المواطنة على المحك.
وتصبح المواطنة في ظروف العولمة في أزمة حقيقية، ويصبح الانتماء الوطني في مهب الريح، ومن هنا يكون الأمل دائما معقودا على درجة من العدالة الاجتماعية التي تحد من الإقصاء والتهميش والفقر، ومن ثم تعيد إلى المجتمع تماسكه، ويكون من المفضل في هذه الحالة دائما ان تبنى برامج التنمية على أسس توازنية تشاركية، ويقصد بالتوازن هنا التوازن بين طبقات المجتمع من ناحية، والتوازن بين الدولة والمجتمع من ناحية أخرى، يتحقق التوازن بين طبقات المجتمع إذا ما استطاعت التنمية أن توزع عائداتها على كل الطبقات، دون أن تترك فئة في الخلف، وأن تحقق قدرا من المساواة في الحصول على الحقوق والفرص.يتناول الفصل الثاني "الدولة المدنية ومنظومة قيم المواطنة" حيث سمو العقل وتجاوز العنف والفوضى وسلطان القانون وبناء منظومة القيم المدنية، فيما يؤكد الكاتب على ان تأسيس الدولة المدنية هو الكفيل بسيادة الروح التي تمنع الناس من الاعتداء على بعضهم بعضا، من خلال تأسيس أجهزة سياسية وقانونية خارجة عن تأثير القوى والنزعات الفردية أو المذهبية، تستطيع ان تنظم الحياة العامة وتحمي الملكية الخاصة، وتنظم شؤون التعاقد، وتطبق القانون على جميع الناس بصرف النظر عن مكانتهم وانتماءاتهم، وتشكل أجهزة الدولة بناء مستقلا مجردا لا يمثل أي نزعة فردية أو مذهبية، وانما يمثل ارادة المجتمع، أي الإرادة العامة. وفي الفصل الثالث يناقش الدكتور احمد زايد، المواطنة من خلال تعريفها وأنماطها والعوامل المفسرة للاندماج الاجتماعي. فيعرف المواطنة بأنها الهوية القانونية التي تحدد وضع الأفراد ومكانتهم داخل الجماعة السياسية، وهي هوية يكتسبونها بوصفهم أعضاء في المجتمع، بحيث يكون للفرد شخصية قانونية، تمنحه حقوقا وتفرض عليه واجبات معينة في إطار ثقافة مدنية، أي في إطار منظومة من القيم يقرها الأفراد بوصفها فضائل مدنية.الاجتماعي العام يتألف من علاقات ايجابية مستقرة بين مواطنين يتساوون في الحقوق والواجبات، وينظمون سبل معاشهم في ضوء قواعد ثقافية وقانونية استقرت بحكم العيش المشترك.