النمرود ادعى الألوهية وحاجَّ إبراهيم فقتلته بعوضة

إعداد - نورة حافظ:

على مر الأزمنة، تأتي حضارات وتنتهي، لتحل محلها حضارات أخرى، وكم من حضارات زالت ولم يعد لها وجود، وزالت معها اسماؤها وشعوبها، وقد تناول القرآن بعض هذه الحضارات ولولاه لما عرف الكثيرون عنها شيئا، يقول تبارك وتعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) [القصص 58]. وفي هذه الحلقات اليومية تتناول " السياسة " قصص هذه الحضارات والشعوب التي ذكرها القرآن في آياته الخالدة.
"أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [" البقرة(258)
يلقب إبراهيم عليه السلام بخليل الله وأبو الأنبياء، فمن نسله أنسدل سائر الأنبياء والمرسلين من بعده، يحملون رسالات الله وكتبه نورا وهداية للعالمين وصراطا مستقيما حتى كان آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، اختلفت الآراء حول مكان ميلاده، فمن قول بأنه ولد في "حران" في بلاد ما بين النهرين جنوب شرقى تركيا وآخر في "أور" القريبة من بابل فى العراق.
أدرك إبراهيم في شبابه برجاحة عقله أن عبادة قومه للأصنام ضلال وناقش عمه "آزر" في الموضوع عله يوافقه فلم يجد منه اقتناعا، خرج إبراهيم باحثا عن صانع هذا الكون، وكان الليل قد ستر النهار بظلمته فرأى نجما متألقا قال: هذا ربي، فلما غاب قال مبطلا لربوبية النجم: لا أقبل عبادة الآلهة الزائلين المتغيرين.
وحين رأى القمر طالعا بعد ذلك قال: هذا ربي، فلما غاب أبطل ربوبيته، ثم رأى الشمس فقال: هذا ربى هذا أكبر فلما غابت قال: يا قوم إني بريء مما تعبدون.
ذهب إبراهيم عليه السلام خفية، إلى أصنام قومه فى غفلة منهم وقدم لهم الطعام الذى تركه قومه لها وقال في سخرية: ألا تأكلون؟، مالكم لا تتكلمون؟. ثم مال عليهم ضربا حتى حطم تماثيلهم وترك كبيرهم، " فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا
تَأْكُلُونَ (91) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (92) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ" الصافات.
علم القوم بما صنعه إبراهيم، فسخر منهم وقال: بل فعلها كبيرهم فاسألوه، فأنشأوا يعاتبونه، فوبخهم إبراهيم، قائلا: أتعبدون ما تصنعون، أين عقولكم؟ لقد خلقكم الله وما تصنعون بأيديكم فهو المستحق وحده للعبادة.
لقد هُدى خليل الله إلى الوحدانية بفطرته السليمة وتدبره فى الكون، "إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ"الأنعام(79).
فسدت حجة القوم أمام حجة إبراهيم فعزموا على عقابه فقالوا: ابنوا له بنيانا وأملؤوه نارا متأججة وألقوه في وسطها،ألقي إبراهيم في النار،"قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم " الأنبياء(69)، أنجاه الله ورفع شأنه وجعل قومه من الأسفلين.
سمع النمرود بن كنعان وهو ملك ذو سلطان ومدع للإلوهية بأمر إبراهيم عليه السلام، فناظره وجادله فى عبادته لله، فقال له إبراهيم: إن الله يحيى ويميت بنفخ الروح فى الجسد، رد النمرود غافلا متكبرا: أنا أحيي وأميت بالعفو والقتل، فقال إبراهيم ليقطع مجادلته: إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب إن كنت إلها كما تدعي.
تحير النمرود وانكشف عجزه والله لا يوفق الكافرين، فحق عذاب الله، حيث أرسل الله جندا من جنوده يتمثل في بعوضة دخلت فى إحدى فتحتى مناخير هذا المتغطرس ثم واصلت حركتها حتى تغلغلت إلى جوف رأسه وكلما أحدثت البعوضة صوتا أصيب بالهياج والألم العظيم وأنشأ يضرب رأسه عساه يخفف ألمه، ثم كل وتعب فأجلس خدمه يأمرهم بضرب رأسه حتى يستريح من العذاب،ظل على هذا الخزي طويلا ثم أهلكه الله وجعله عبرة لكل جبار أثيم.
أما إبراهيم عليه السلام فقد نصره الله وأيده ووهبه الولد وجعل من نسله الأنبياء،" تِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ 83 وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 84 وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ
كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ 85 وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ" الأنعام (83-86).