بانوراما الفجر من مسجد الشيخة بدرية في السالمية

د. حمود الحطاب

رهبة قلبية وعاطفة جياشة قوية انتابتني دون مقدمات عند اعتاب باب مسجد الشيخة بدرية في السالمية حين هممت بالدخول اليه فجر يوم أمس الاثنين.
هذا الشعور المفاجئ سببه أنني كنت من رواد محاضرات الشيخ المرحوم، بإذن الله، حسن أيوب تلك المحاضرات الاسلامية العلمية الايمانية العقلانية في أوائل سبعينات القرن الماضي، التي كان يقدمها المرحوم في هذا المسجد الرائع.
وتعرفت الى الشيخ حسن ايوب بصفة شخصية وعن كثب مع فارق العمر؛ فقد كنت طالبا جامعيا وقتها؛ وكان شخصية عظيمة مهابة الجانب، وكأنه أسد هصور حين تلقاه وحين يخطب؛ كان جريئا دينيا وسياسيا حين يواجه طغاة السياسيين الحكام الذين عاصرهم، وكان جريئا ضد الباطل، ولم يذله الدينار والدرهم ولا الحياة المترفة.
ولـم يخـش مـن اجـل ذلـك أن يكتـم كلمة حق او يقولها بضعف؛ فقد كان زاهدا بما عند الناس راغبا بما عند ربه؛ ومن هنا تهيبوه؛ فقد أبى بنفسه وبالعلم الذي يحمله والدعوة التي جند نفسه لها؛ ابى أن يرعى مع الهمل لأنه فطن للأمر الذي هيئه الله له.
مسجد الشيخة بدرية هو مسجد المرحوم فهد السالم، بنته الشيخة بدرية السعود الصباح، جزاها الله خيرا، وتم افتتاحه عام1391 هجرية. وعرفه الناس باسم مسجد الشيخة بدرية، وهو من أجمل مساجد الكويت عمرانيا ايضا؛ وكان عامرا بمحاضرات العلماء، وقد زاحم حضور محاضرات الشيخ حسن ايوب في هذا المسجد المسارح والسينمات التي كانت سوقها رائجة ذلك اليوم، فخطف منها بايمان واقتدار حضورها الجماهيري الحاشد لدرجة انك ما كنت تجد محط قدم في المسجد، او موقفا للسيارة حوله اذا لم تبادر بالحضور المبكر للمسجد ما ادهش القوم ذاك الوقت.
اتساءل اين أموال الوقف؟ اين اموال وزارة "الاوقاف"؟ ولما هي، ولمن هي اذا لم تصلح وترمم وتعتني بمثل هذه المساجد التي تساقطت منها احجار تكسيتها على اسوارها الخارجية، وهكذا بدى مسجد بدرية؛ وانقشعت بعض اصباغه القديمة في اسقف الداخل، ولعب العابثون في جمال المسجد، فغرسوا المسامير في جدرانه الانيقة، وعلقوا المكتبات في واجهته الداخلية الثمينة من التكسيات القيشانية النادرة الجميلة، ومدوا اسلاك المراوح الكهربائية بارزة من دون مبالاة بالذوق الذي كان عليه المسجد القديم.
الاهمال المؤلم في صيانة المسجد ليس وليد وزارة "الاوقاف" اليوم، وهو عظيم مسؤوليتها اليوم ايضا، بل هو وليد عهود ماضية كان الهدر المالي عندها في غير ترميم مثل هذه المساجد النادرة في عمرانها ومكانتها... وللحديث بقية إن شاء الله.

كاتب كويتي
[email protected]