منوعات
بشار بن برد... شاعر قتله لسانه
الأحد 10 مايو 2020
130
السياسة
الساخرون على مائدة رمضانإعداد – نسرين قاسم: رغم أن بشار بن برد كان من المقربين للخليفة العباسي المهدي؛ إلا أنه لم يكن يتمالك لسانه أمام أي إنسان كائنًا من كان حتى أنه تجرأ بالسخرية من خال الخليفة ذاته يزيد بن منصور الحميري، حيث صادف أن دخل ذات يوم فرأى بشار ينشد الخليفة المهدي قصيدة يمدحه فيها، فلما فرغ منها، سأله: "يا شيخ ما صناعتك؟"، فأجابه الشاعر: "أثقب اللؤلؤ!" فضحك "المهدي"، ولكنه نهره قائلاً: "ويلك! أتتندر على خالي؟"، فقال: "وما أصنع به؟، يرى شيخًا أعمى ينشد الخليفة شعرًا، ويسأله عن صناعته!".منذ ذلك الوقت بدأت علاقته بالخليفة نفسه تسوء بعد أن وشى به الوشاة فذكروا أمام الخليفة بيتين قالهما ينصح بهما شاب أتعبه ما يريده من امرأة محجبة، فنصحه بشار قائلاً: "لا يؤيسنّك من مخبأة.. قول تغلظه وإن جرحًا.. عسر النساء إلى مياسرة.. والصعب يمكن بعدما جمحا"، فاتبع الشاب ما قاله بشار في شعره، فثابر في سعيه وظل وراءها حتى أجابته، فكافأ الشاب بشارًا بمائتي دينار، فلما علم المهدي بذلك استدعاه واستنشده ما قال ففعل، فغضب عليه وشتمه، وقال له: "أتحض النساء على الفجور، وتقذف المحصنات المخبآت؟" ثم قطع عنه عطاءه، فاغتاظ الشاعر ولم يهدأ حتى هجا الخليفة المهدي نفسه وقال فيه البيتين الشهيرين: "خليفة............ يلعب بالدبوق والصولجان.." إلى آخر ما قال حيث يعتبرها البعض من القصائد الملعونة في تاريخ الخلافة الإسلامي. وكان ابن داود ينتظر الفرصة التي يتحينها ضد بشار منذ زمن، فأسرع في ساعته إلى الخليفة: "يا أمير المؤمنين، إن هذا الأعمى الملحد الزنديق بشاراً قد هجاك"، قال: "بأي شيء؟" فأجابه قائلاً: "بما لا ينطق به لساني، ولا يتوهمه فكري"، فألح عليه الخليفة، حتى كتب ما قاله الشاعر على ورقة،، فكاد الخليفة ينشق غيظاً، بعدها ذهب إلى البصرة يتفقد أحوالها فتصادف أن سمع أذاناً في وقت الضحى على غير موعد أذان، فسأل عن ذلك، فإذا به بشار في حالة السكر، فقال له: "يا زنديق أتلهو بالأذان في غير وقت الصلاة وأنت على هذه الحال من السكر"، ثم أمر بضربه سبعين سوطاً، قالوا: فكان إذا أصابه السوط صرخ: "حس! حس!"؛ وهو ما تقوله العرب للشيء إذا أوجع. فقالوا له: "لماذا لا تقول بسم الله؟"، فقال: "ويلكم! أهو طعام فأسمي عليه؟" قال له آخر: "أفلا قلت الحمد لله؟"، قال: "أهي نعمة فأحمد الله عليها؟"، فما زالوا يجلدونه حتى مات، فأخرجت جنازته، فما تبعه أحد غير جارية سندية عجماء!نسبه ونشاتههو بشار بن برد بن بهمن بن أذركند بن بيبرسان، ولم يعرف سلسلة نسبه بشكل كامل، ورغم الجهل بنسبه إلا أنه يفتخر دائمًا بأنه من سلالة ملوك فارس، فأبوه هو بُرد بن بهمن ولم يُعرف اسمه قبل الإسلام على وجه التحديد، وذلك لأن العبيد كانوا يُكنَّوا ببُرد عند العرب، حيث إن والده قد سُبي وأصبح مملوكًا لبني عقيل، وتزوّج من امرأة عند بني ملهب. وُلِد بشار بن برد في منطقة البصرة عند بني عقيل في عام 96 هجرية وتربى بها حتى كبر، وكانت مالكته من بني عقيل قد اعتقته بعد وفاة والده، حتى أصبح يُقال له بشار العُقيلي، وقد تنقّل بين مناطق عدة، ثم استقر في بغداد إلى أن مات فيها.لعل سخط بشار على الناس كان مردّه إلى عماه فهو لم يُبصر الدنيا قط، كما كان قبيح العمى مجدور الوجه وقد ضُرب المثلُ بقباحة عينه فقالوا: "كعين بشار بن برد" وفي ذلك قال مخلد بن علي السلامي يهجو رجلاً:"رأيتك لا تحبُّ الود إلا إذا هو كان من عصب وجلد.. أراني الله وجهك جاحظياً.. وعينك عين بشار بن برد"، ورغم أنه كان أعمى إلا أنه كان دقيق الوصف شديد البيان فيه.لقد كان بشار من أعظم شعراء جيله وكان الجميع يخشى لسانه الذي لم يسلم منه أحد حتى هو نفسه ومع ذلك كان مختلفًا في طريقة إلقاء الشعر ساخرًا في عرضه يتمتع بأسلوب خاص في إلقاء الشعر، فتراه يصفق بكلتا يديه ويتنحنح ويبصق عن يمينه وشماله ثم يبدأ بإلقاء الشعر. وكان معروفًا عنه كذلك خلقه السيئ ومجاهرته بالمعاصي وحبه لذاته وفحش القول، وكان يصف النساء دون حياء، خاصة في جلسات السكر والمجون، وكان بشار كذلك حاد المزاج، وكانت لديه نزعة من التمرد والثورة، ذا قلب شجاع لا يأبه بأحد، عنيدًا في رأيه لا يكترث إلى المخاطر، فصيح اللسان، غزير الشعر، عميق الفكرة، ومع ذلك كان متلونًا في مناصرته للخلفاء على حسب مصلحته الخاصة؛ فتارة يناصر الدولة الأموية ويمدح آخر خلفائها وهو مروان بن محمد، ثم تتغير آراؤه ليمدح الدولة العباسية ويهجو الأمويين.