كتب - مفرح حجاب:إذا أردت أن تغير سلوكيات الناس وتقتل إنسانيتهم وتهدم مستقبلهم عليك أن تهزمهم نفسيا أولا، فالعلم والثقافة في مثل هذه الأمور لا يعول عليهما كثيرا، فمنذ بداية عرض مسلسل "بطلوع الروح" والذي يضم مجموعة من الحقائق حول أوكار "داعش" ونقاشا يدور عن الأحداث والنجوم المشاركين فيه ومواقع التصوير والحبكة الدرامية التي صاغها بحرفية المؤلف محمد هشام عبية وأخرجتها كاملة ابو ذكري، ويجسد البطولة منة شلبي، أحمد السعدني، إلهام شاهين، محمد حاتم، عادل كرم وغيرهم.المسلسل مفعم بالشغف والإثارة، ويحظى بمتابعة كبيرة ويتصدر المشاهدة بأحداثه المتلاحقة في وكر الدواعش، حيث تناقش قصة شاب مصري "أكرم" يجسده محمد حاتم، وهو مهندس نظم معلومات منفتح في حياته يشرب الخمر ويدخن الحشيش، متزوج من زميلة الدراسة "روح" وتجسدها منة شلبي، وهي ليست محجبة، انجبا طفلا جميلا "سيف" لكنه مصاب بالهيموفيليا، أحد امراض الدم.استطاع "عمر" أحمد السعدني، وهو صديق "أكرم" أن يتواصل معه من مدينة "الرقة" في سورية وشرح له عن الدولة الإسلامية ودعاه للانضمام إليهم، ما جعل "أكرم" يستدرج زوجته "روح" إلى رحلة سياحية في تركيا، ويقوم "عمر" بتهريبهم إلى سورية، حيث عاصمة ما يسمى بدولة الخلافة في الرقة.
تميز العمل منذ المشهد الأول بثلاثة أمور مهمة جعلته يحظى بنسبة مشاهدة عالية، أولها سرعة الانتقال من حدث إلى آخر وبالتالي لا مجال للرتابة، فالمؤلف اختصر صيف 2014 في القاهرة وحتى 2017 في الرقة بمشاهد محدودة، الأمر الثاني اختيار مواقع التصوير بعناية شديدة واستخدام مساحات شاسعة وبيوت وأزياء كثيرة، الأمر الأخير صياغة "كركترات" الشخصيات بعناية شديدة، خصوصا الأبطال الرئيسيين، فالأحداث رغم غزارتها وتدفقها عمل المؤلف والمخرجة على تكثيفها بإحكام وتغليفها بالتشويق، فاستدراج الأشخاص يقترن دائما بالحديث عن أهمية دولة الخلافة، وهذا ما يؤكد عليه السعدني "أبو أسامة" في حديثه مع "أكرم" أو "ابو سيف المصري" وهو في طريقه الى الرقة للمرة الأولى، فكان يقول له هنا ستكون أقرب إلى الله بعيدا حياة أهل الكفر، ودولة الخلافة في حالة حرب وانت ستكون شاهدا على معسكر الكفر ومعسكر أهل الجنة، ولو كنت جئت منذ أسبوع كنت ستأخذ نصيبك من السبايا الجميلات، وختم بأنهم يقيمون الحدود كل يوم جمعة، هناك من يجلد ومن يعذب ومن يبعد وغيره، لكن ما لفت الانتباه ان أي شخص يريد الانضمام إلى "داعش" كان يقسم ولاء السمع والطاعة لأبوبكر البغدادي، وكذلك الحديث عن الإعداد لدخول مصر رافعين الرايات السود.سرد الأحداث وتحويل اتجاهات الناس وسلوكهم وعاداتهم وطقوسهم الدينية بشكل مفاجئ يحتاج من الممثل إلى اتزان نفسي كبير، وهو ما تجلى في شخصية الفنانة منة شلبي، التي تحولت من ليبرالية إلى داعشية بعدما استدرجها زوجها بخدعة ليغطي جسدها ووجهها بسواد يخفي ملامحها تماما، فضلا عن الحركة نفسها في عاصمة داعش، التي تحكمها ضوابط للنساء والرجال، ما يظهر بشدة الجهل ليس فقط في أمور الدين ولكن في كيفية التعامل الإنساني مع البشر، في ظل حياة ليس لها قانون أو دستور سوى ما يأمر به الداعشي أبوبكر البغدادي ورفاقه، حتى أنه لديهم خيارات في الجهاد والاستشهاد، بمعنى هل تريد أن تنال الشهادة مباشرة أم تعمل جنديا وينتهي عملك بالشهادة!.كشف المسلسل المستوحى من أحداث حقيقية، أن تنظيم داعش الإرهابي فيه الكثير من التناقضات والجهل الثقافي والحضاري والإنساني، ومع الأسف انضم اليه العديد من المثقفين لأنهم في الأصل جهلاء، ومع تقدم الحلقات تزداد الأحداث سخونة وإثارة في مسلسل ممتع سهل الإيقاع تفوق تمثيلاً وإخراجاً وإنتاجاً في جميع عناصره، واستحق أن يتصدر "ترند تويتر" منذ بداية عرضه، خصوصا مع تميز أداء منّة شلبي التي أبهرت المتابع كزوجة ليبرالية محبّة وعاشقة لزوجها وأمّاً من أحن الأمهات، قبل اندماجها في التنظيم الإرهابي وتلقيها تدريبات مسلحة برعت فيها تماما لتصبح "داعشية أصيلة"، وجاءت المفاجأة بظهور الفنانة إلهام شاهين بدءا من الحلقة الرابعة، لتبرع في دور القائدة الداعشية المستبدة، بلغتها العربية وقسوتها ورقّتها كأنثى، وهو دور مميز يضاف إلى مسيرتها الناجحة. أما الفنان أحمد السعدني، فمشاركته في أي عمل دليل جودة، وهنا جسد الإرهابيّ كشخصيّة بغيضة خطيرة، بأداء مهنيّ متمكّن وكأنه ولد داعشياً.وساهم الإخراج المتميز للمبدعة كاملة أبوذكري، في إبراز مكنون الشخصيّات وسط رؤية دقيقة عميقة ومبهرة لا ملل فيها ولا تطويل؛ ولولا الإنتاج السخي للمنتج اللبنانيّ صادق الصبّاح، ما ظهر المسلسل بهذا الصدق والتميّز.

منة شلبي قبل انضمامها إلى "داعش"