منال الفضليالإنسان هو أساسُ كل حضارة بشرية، فهو الأصل والمادّة الخام، وهو الجذر الذي تتفرّع منه كل المجالات الأخرى لتنمو وتُزهر، إن أي تطلّع لمستقبل أفضل رهينٌ بمدى جاهزية هذا الإنسان للتحديات والإكراهات التي تصاحب بالضرورة عملية التطور والانبعاث.وعلى الإنسان نفسه البحث عن سبل تشقّ طريقَه نحو التقدم والرقي، في أفقِ تأسيس مجتمعٍ منتجٍ محقّق للركائز الأساسية للتطور.التطور ليس مرتبطا بمجتمعٍ من المجتمعات على وجه التحديد، لكنه قابلٌ للتطبيق على كل المجتمعات الإنسانية بشرط أن تتوافّر الإرادة الصريحة الجادّة، والنية الصادقة المُنبثقة من وعيٍ كاملٍ بمكامنِ الخلل ومواطنِ الضعف والطموح إلى بلوغ الأهداف المسطّرة مسبقاً.ان بناء الإنسان يتطلّب إعادةَ تقييمِ المبادئ الأساسية التي تتوفّر لدى الفرد الواحد، وهذا لا يتأتى إلا بتربية النّشء منذُ نعومة أظفاره على الأخلاق والمثل بطريقة علمية صحيحة، كل مشروع نهضة لا يقوم على أسسٍ إنسانية متينة وموثوقٍ بها لا يمكنه الصمود أمام تيارات التحديات المختلفة التي تواجه العالم. ليس التطور إعادة لتجارب الآخرين لأن كلَّ حالة تتفرّد بخصوصياتها وظروفها المعينة كما كان يرى المُفكر مالك بن نبي حين قال: "لا نَستطيع أن نستورد من الغرب كل آلياته التي بلغها، لأنها لا توافق بعدنا الفكري".لابد أن يواكب تنشئة الانسان برنامج محكم يُلازمه في كلّ أطوار حياته، يُنصتُ لمعاناته، يُساعده في عثراته وعقباته لينهضَ ويُواصل، مع الاهتمامٍ بالتنمية الذاتية والنفسية منذ السنوات الأولى للطفل، بل لابد أن تُشكل المادة الأساسية في المنظومة التعليمية لما لها من فوائد جمّة في بناء شخصية الإنسان وصناعة وعيه واستعداده النفسي لمجابهة تحديات الحياة وما أكثرها، فشخصية الإنسان عامل مهم في بناء مجتمعات سليمة آمنة واعية بنظامها الداخلي ومسؤولة عن كل ما تُصدرهُ من أفعال وأحاسيس.الإنسان عندما يجد عنصر الاستقرار يُبدع ويُنتج أكثر.ومن المهم جدا عند الاهتمام ببناء الانسان أن نُعيد الاعتبار للتعليم وأن نُخرجه من تقوقعه الحجري ببثّ دماءٍ جديدة فيه، فالتعليم ليس تشييد المدارس والجامعات فقط، إنما هو النتيجة المُنتظرة من إنسان بعد أن يقضي سنوات طويلة من عُمره في التعلم.فالتعليم عندما يقترن ببعبع النجاح والعلامة ولا علاقة له بالمعرفة والاستفادة يصبح عبئا على الطالب والمعلم وولي الأمر،، فالمهم لدى النّشء الصاعد اليوم أن يحصل على معدلات تضمن له الانتقال إلى المرحلة الدراسية التالية، بغض النظر عن نجاحه في تجميع محصول معرفي جيد ينفعه في مستقبله. التعليم هو الحقنة التي تُنقلُ بها الأخلاق والقيم والمعارف إلى الأجيال المقبلة، فإذا فسدت الحقنة فسد الجيل بأكمله وجَنَينا من ذلك كوارث اجتماعية كبيرة، ولا بد أن يكون التعليم الذي يتلقاه الفرد متماشياً مع نوعية فرص العمل المتاحة، ومواكبة لعلوم ومهارات المستقبل، إذ إن الهدف من العلم هو تطبيقه، وإلا ما فائدة أن يقضي الإنسان حياته في دراسة علم لا ينفعه بعد تخرجه.$ كاتبة كويتيةرئيس المجلس الدولي لاستشراف المستقبل والتعليم المستدام
[email protected]