الاثنين 23 يونيو 2025
36°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

ترهلات التخمة السلوكية...حوار مع ابنة الأخت

Time
الثلاثاء 07 يوليو 2020
View
5
السياسة
د. حمود الحطاب

الحياة كلها صراعات يا ابنة اختي المدركة الواعية ؛الا ترين أن الطعام الجميل الذي نأكله كيف نفعل به حتى يتفاعل معنا؟ نحن نقطعه بأضراسنا تقطيعا ثم نمزقه بأنيابنا تمزيقا ثم نطحنه بطواحيننا طحنا حتى يستقيم امره معنا، إنها معارك وتكسير عظام ؛كيف تحولت الكمثرى الجميلة والتفاحة والعنب والمانجو والخوخ والاناناس في فمنا اولا؟
هل بقيت على تلك الصورة من الجمال؟ وهذا اول الصراع؛ ثم لاتسأليني يا ابنة اختي الودودة عن الذي يحدث لها في الظلام الدامس في المعدة والأمعاء كي تمتص بعض رحيقها اجسادُنا... هكذا هي الحياة؛ كي تستقيم الأمور؛ انها صراع دائم داخليا بين الانسان ونفسه؛ صراع بين رغبات الانسان وشهواته واطماعه وبين ارادته من جانب مهم؛ وفيها هزائم وانتصارات؛ وبين كل ذلك والقوانين والاعراف والعادات والتقاليد الصالح منها والبائد التي تحكم وتنظم حياة الناس.
صراع في الداخل لا يكتمل دون الصراع الخارجي؛ وخذي في الصراع الخارجي ضد الحسد والحقد والطمع من قبل الغير ... اذاً، الحياة صراعات يومية، وفي كل اللحظات، وهي معارك متعددة فيها نصر وهزيمة، وعلى قدر تحقيق الانتصارات في تلك المعارك تشعر بالسعادة... وقد تستقيم الأمور.
كان تعليقك على موقف الاسبانية مرثيليا راعية الماعز الغنية الزاهدة ان شخصيتها قوية؛ نعم هي القوة في شخصية "مرثيليا" التي سألتِ عنها ايتها اللبقة الفطينة ؛ القوة التي عاشتها مرثيليا لتحقيق رغباتها النزيهة الانطوائية، والصراعات الداخلية التي عبرت عنها في خطبتها في تجمع رعاة الماعز بعباراتها المتوازنة للدفاع عن نفسها وصراعها ضد الآخرين الذين يسيئون لها وبدم بارد ويشيعون عنها الاوصاف والمعاني التي لا تليق بمثلها من الحرات الزاهدات صاحبات الارادة القوية داخليا وخارجيا.. ودمت سالمة ايتها المتابعة الحصيفة.
وتأكدي ايتها العزيزة من شيء قد فطنت له بعد كتابة ردي هذا والانتهاء منه وهو:
اننا لانأخذ فائدة حقيقية من صراعاتنا مع الحياة حين ننتصر الا بالقدر الذي تمتصه امعاؤنا الدقيقة من الغذاء من أجل فائدتنا الجسمية.
ما نأخذه من تلكم الصراعات هو الشيء القليل جدا لفائدتنا بالعموم.. ولكن اذا اخذنا من انتصاراتنا اكثر من اللازم فهو السمنة البغيضة والتخمة والجشع المغولي الذي يضر حياتنا... وهذا يشبه تماما النتائج الداخلية لعمليات الهضم التي يقوم بها الجهاز الهضمي حين يقول بالتمثيل الغذائي.
الزيادة عن الحاجة التي نأخذها عند انتصارنا هي الترهل القيمي تماما كالذي يحدث من تناول كميات من الاطعمة الزائدة عن الحاجة؛ وهي هي نفسها مردودات اطماعنا عندما نأخذ اكثر من احتياجات الاعتدال في حياتنا؛ فهنا يصيبنا البطر والغطرسة والتكبر والغرور والتعالي بغير حق وهي كلها ترهلات فساد في استقامتنا القيمية المدمرة للجانب الحضاري في الإنسان ومدنيته؛ وهي الهزيمة أخيرا؛ إنها السمنة القيمية البغيضة؛ هي البطون الأخلاقية المنتفخة... هي الترهلات غير الصحية تثقل نفوسنا وتصيب ارواحنا بالغشاوة وفساد الرؤية للحق.. واذا لاحظتِ بدقة ان الزهد عن الزيادة التي يعمل بها بعض اهل الحضارة الغربية كجانب قيمي فيتبرعوا بالفائض والارث وغيره فهي الفارق الحضاري بيننا وبينهم لصالحهم... وقد كنا نحن نفعل ذلك ايام فهمنا للحياة؛ ايام حضارتنا؛ كان يفعل ذلك النبهاء منا. هذا دار في ذهني مجددا عندما انتهيت من ذلك الرد المقتضب؛ وقد قلت قولي هذا بسبب ما تطرحينه من افكار وحوار ايجابي يتحلى بروح الفهم العميق لما يطرح من موضوعات بعدد الرسائل التي ابعثها لك.

كاتب كويتي
[email protected]
آخر الأخبار