تعدد الزوجات بين الفهم الصحيح والتطبيق الخاطئ

نايف الظفيري

الفهم الخاطئ يؤدي الى التفسير الخاطئ ثم الاجتهاد والممارسة الخاطئة.
ولو قلت لمسلم من العامة ان رخصة تعدد الزوجات هي رخصة مقيدة وليست مطلقة كماً وكيفاً لاستنكف ذلك، فكثير من المسلمين، بل الاغلبية منهم لا يقبل أن تقول له انك لست حراً من ان تعدد الزوجات كيفما تشاء وبالحد الاعلى من الزوجات الاربع.
ولقد عاشت الامة في هذا الفهم لأكثر من اربعة عشر قرناً دون ان تتدخل إدارات التوثيقات الشرعية في الدولة العربية والاسلامية في الحد من استمرارة الممارسة الخاطئة لهذه الرخصة الربانية.
يقول سبحانه وتعالى في آية تعدد الزوجات كالتالي: "وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا".
واضح من الاية الكريمة ان المقصود من التعدد في الزوجات هو الزواج من أمهات الايتام فقط اي تحديد كيفي مقيد وليس من البكر أو الثيب المطلقة إنما من الارملة فقط وكلمت "يتيم" تعني في اللسان العربي يتيم الاب ويعني ذلك انه مازال قاصرا غير بالغ وأمه غير طاعنة في السن ومازالت على قيد الحياة.
إذاً العملية ليست متروكة لأهواء البشر ان يطبقوها كيفما يشاؤون انما محددة بالكم والكيف فإذا أخذنا الكم فقط دون النظر للكيف فلا يمكن اطلاقاً ربط جواب الشرط "وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى".
وبما ان الله سبحانه وتعالى لم يذكر الزوجة الاولى من ناحية "الكيف" فهذا يعني انه اطلق الكيف في الزوجة الاولى اي يمكن ان تكون الزوجة الاولى بكراً او أرملة او مطلقة فإذا ربطنا قوله تعالى: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء" بقوله "وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى"، فإنه سوف يتضح لنا بالضرورة انه يتكلم عن أمهات الايتام من الارامل فقط.
هنا أطلق الكم حتى الاربعة وقيّد الكيف بأن تكون الزوجة الثانية حتى الرابعة من الارامل أمهات الايتام وان يتزوجهن الرجل ويأخذهن كزوجات مع أولادهن.
في هذه الحالة يصبح الزوج ملزماً باعالة وتربية أولاد زوجاته الجدد وفي هذه الحالة يكون الزوج خاضعاً لقوله تعالى "وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً ان يكبروا ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فاشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا".
فإن تزوج الرجل ثلاث ارامل وضم اولادهن لأولاده فهذا يعني انه أصبح كثير العيال واصبح عليه عبء مالي كبير جداً وهذا ما نفهمه من قوله تعالى: "فإن خفتم الا تعدلوا فواحدة" اي تعدلوا بين الاولاد، أولاد الزوج من زوجته الاولى وأولاد زوجاته الارامل المتعدد بهن.
فعل "عدل" يقصد به العدل بين طرفين اما القسط فيكون من طرف واحد، فإن خاف الزوج الا يعدل بين أولاده من الزوجة الاولى وأولاد زوجاته الارامل فعليه ان يكتفي زوجة واحدة من نظام التعدد اي يكتفي بالمثنى فقط من التعدد ولا يتخطاه للثلاث والرباع.
وبما أن الكلام عن التعددية فالخطاب موجه للمتزوج فقط لهذا بدأ بالمثني فالواحدة تعني الزوجة الثانية من التعدد وليست الزوجة الاولى.
اي اذا كان الرجل قادرا على التعدد من الناحية المالية فقد شجعه الله سبحانه وتعالى ان يتزوج على الاقل ارملة واحدة ام لايتام كزوجة ثانية يأخذها مع اولادها اليتامى وهذا ما اكدت عليه الاية "ذلك ادنى الا تعدلوا"، جاءت من الاصل "عول"، ومعناه كثرة العيال والجور اذ عندما يصبح الرجل كثير العيال وتكبر عليه المسؤوليات المالية والتربوية ويقع في عجز مالي ويختل عنده ميزان العدالة بين الاولاد فيقع في الجور وهذا ما نفهمه من الحديث "انا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة واشار الى إصبعيه".
وهذا الحديث يمكن ان يكون تفسيرا للاية سابقة الذكر وتشجيعا للرجال بالزواج من أرامل مع اولادهن وذلك بان اعفاءهم من الصداق في قوله تعالى "ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون ان تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وان تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما".
واضح ان الله جل وعلا قد أعفى الرجال من دفع المهر للارامل وذلك مشروط برعاية اولادهن الايتام.
اذا نستنتج مما سبق ذكره ان العدل المطلوب هو العدل بين اولاد الزوج من زوجته الاولى واولاد الزوجة الارملة المتعدد بها وليس المقصود به العدل بين الزوجات لان العدل بين الزوجات قد حسمه سبحانه وتعالى بقوله: "ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم".
إنني أناشد عبر هذا المقال مشايخنا الافاضل ان يدلوا بدلوهم في هذا الموضوع الذي كثر فيه الجدل عبر التاريخ وادى التأخير في حسمه فقهيا الى سوء فهم ومن ثم سوء اجتهاد وكوارث اجتماعية يموج فيها محيط الوطن العربي والاسلامي.

مهندس أعالي البحار، كاتب كويتي