

تعديل الدوائر… نوايا حزبية!
منذ انتخاب المجلس التأسيسي في يناير 1962، الذي كُلف وضع الدستور الى مجلس الامة الحالي، ونحن نعيش أيامه الاخيرة من العام الميلادي( 2023)، وتجاوز ستين عاماً من سني الحياة الديمقراطية الكويتية المباركة، الذي انفردت به الكويت على خلاف شقيقاتها الخليجية، فالنظام الديمقراطي اشبه بطعام عُسر الهضم لا تقبله كل نفس، او كل معدة.
هناك من حاول او جرب النموذج الكويتي، او قريب الشبه منه، الا انه قطع الطريق في منتصفه، وعاد الى نقطة البداية.
النظام الديمقراطي ليس من السهولة ان يتقبله العقل الغارق بالعبودية وحكم الفرد والمجتمع الصحراوي، لذلك لم تكن الديمقراطية الكويتية مقبولة، ومرحب بها من الاغلبية الشعبية، الا ان تلك الغالبية سلكت الطريق مع التيار، وقطعت المشوار في السير الى مقرات الانتخاب، فصناديق الاقتراع، والتصويت لمن موصى عليه من العارفين او الاسرة او كبير القبيلة وهكذا.
وقلما من المرشحين الذين حظوا باصوات اهلتهم للفوز والتمتع بالعضوية، من هنا كان المجلس الاول ( مجلس 1963) في السنة الثانية من تشكيله ان اختلف الرفاق، فالمعارضة انقلبت على نفسها والخمسة عشر نائباً المحسوبين على المعارضة انقلبوا على بعضهم بعضا، واضحوا معارضة على المعارضة، فيما استقال رئيس المجلس المحسوب على المعارضة، وكادوا ان ينتهوا عند هذا، لو لا حكمة عبدالله السالم الذي رأى ان التجربة لا بد ان تعيقها معوقات، وان ذلك لا يعني ان نكفر بالديمقراطية ونلغي النظام.
هذا لا يعني قطعاً ان الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، ارتاح لما حصل، ففي الدورة التالية للمجلس، في جلسة الافتتاح حذر الاعضاء من مغبة التناحر والخلاف، فذكرهم ببيت من الشعر جاهلي بقوله "تهدي الامور باهل الرأي ان صلحت… فإن تولت فبالاشرار تنقاد"، وكرره ثلاث مرات، وهي اشارة بما معناه ان للصبر حدودا.
لكن في انتخابات العام 1967، التي شابها وفق مزاعم بعض المرشحين تزوير في الصناديق، الامر الذي ادى الى استقالة عدد من الفائزين بينهم عبدالمحسن الزبن وخالد المسعود.
يومها كانت الدوائر الانتخابية في حينها عشر، وخمسة اعضاء.
في مجلس العام 1975 تم حل المجلس حلا غير دستوري، وكان كافياً لكي ترى الكتل الشبابية والتقدمية ان ذلك انقلاب على الدستور، فيما استفاد من هذا الانقلاب الاسلامويون وبخاصة "الاخوان"، وقد تم اختيار رئيس جمعية الاصلاح المرحوم يوسف الحجي، وزيراً لـ"الاوقاف" الذي في عهده تم هدم اثار الخضر، عليه السلام في فيلكا.
ثم اعيدت الروح للحياة الديمقراطية، لكن بثوب جديد على اساس 25 دائرة وعضوين، ثم اعيد حل المجلس صيف العام 1986، وهو الحل الذي قصم ظهر البعير، والذي استغله صدام حسين فغزا الكويت.
بعد التحرير اعيدت الحياة مجدداً الى رئة الديمقراطية الكويتية مع وعود بعدم الحل، واليوم البلاد ازاء محاولة غير مدروسة وحماسية بتعديل الدوائر، ونصيب كل دائرة انتخابية من الممثلين.
حسناً فعلت الحكومة عندما سارعت الى رفض الصيغة التي قدمها المجلس، لانها يشوبها الكثير من الشكوك والمخاوف من ظهور احزاب مع حرمان المرأة من المشاركة السياسية، رغم ان الاحزاب من حيث حضورها قائم، (اخوان، سلف، تبليغ، الشيرازيين، جمعية الثقافة، العدالة)، بينما يغيب عن الساحة التقدميون و الليبراليون، لكن الحقيقة الغائبة والسؤال القاتل: ماذا يمنع ان تتحول القبائل والمجموعات الاجتماعية الكبيرة احزابا، فتلك المجاميع كتل اجتماعية كبيرة، ومؤهلة للسيطرة على احزاب بشكل أو أخر؟
الكويت دولة صغيرة وسط عواصف جامحة، وهناك من ينظر للديمقراطية الكويتية رغم محدودية صلاحياتها انها خطر عليه.
هؤلاء لا يريدون مشاركة الشعوب في الحكم، ويرون ان الديمقراطية فساد وافساد، وخطر على النظام التقليدي والموروث الاجتماعي، من هنا ينبغي الا يتمدد الحالمون ابعد من ارجلهم، فالكويت ليست وحدها في البرية، هناك من ينظر اليها بريبة!
صحافي كويتي
حسن علي كرم