السبت 26 أبريل 2025
30°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

توبة محترف سرقة الموتى والأكفان

Time
الثلاثاء 19 مايو 2020
View
10
السياسة
إعداد - أحمد فوزي حميدة:

"عاشوا معظم سنوات حياتهم في ضلال بعيدا عن الإيمان وتمادوا في ارتكاب المعاصي واحتراف سرقة الناس وأكل حقوقهم ، وحينما أنار الله بصيرتهم وهداهم للإيمان استجابوا وتابوا وانقطعوا عن السرقة وزهدوا في الدنيا ومتاعها حتى نالوا درجة الولاية والاصطفاء والمحبة من الله عز وجل."

احترف سرقة الأموات، حيث كان يقتحم هيبة المكان، ويتجرأ على رهبة الموقف، ينبش القبر ويفتش عن شيء يسرقه، فإن لم يجد ما يستحق السرقة يسرق الكفن أو ما يجده في القبر، وهو ما يعرف بـ"نبش القبور"، ويطلق على من يفعل ذلك "نباش"- جاء في المعاجم: أن نباش القبور هو من يفتِّش القُبورَ ليسرق ما فيها من أكفان وحُليّ وجثث-، وظل نباش القبور على هذه الحالة دون أن يطرف له جفن أو يعتبر مما يراه كل مرة، حتى شاء الله أن يهيئ له حدثًا جعله يرجع عما يفعل، ويثوب إلى رشده ويعود إلى جادة الصواب، ويبحث عمن يدله على طريق الهداية، وبدأ يسأل العلماء والفقهاء: هل له من توبة بعد ما اقترف من أفعال؟.
يقول ابن قدامة المقدسي في كتابه "التوابين": أنبأنا عبد الرحمن بن علي الإمام بسنده عن هارون بن زياد المصيصي قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري قال:"كان رجل يكثر الجلوس إلينا دون أن يتحدث وتغلب عليه حالة السكون والوجد ونصف وجهه مغطى فتقربت إليه وحاولت الوقوف على حاله وقصته وما السبب في حالته، وعدم مشاركة الناس حديثهم، فقلت له: "إنك تكثر الجلوس إلينا ونصف وجهك مغطى أطلعني على السبب وراء هذا التصرف؟"، فالتفت دون أن يرفع رأسه موجهًا نظره إلى الأرض فقال: "تعطيني الأمان؟" قلت: "نعم".
قال: "كنت نباشًا فدفنت امرأة فأتيت قبرها فنبشته حتى وصلت إلى الكفن فضربت بيدي إلى الرداء، ثم ضربت بيدي إلى اللفافة، فمددتها فجعلت تمدها هي، فقلت: "أتراها تغلبني"، فجثوت على ركبتي فمددت فرفعت يدها فلطمتني، وكشف وجهه، فإذا أثر خمسة أصابع في وجهه"، فقلت له: "ثم مه؟"، قال: انقبض قلبي وأصابني الرعب وأدركت جرم ما افعله وتذكرت ربي، ماذا لو مت على هذه الحالة وهل لمثلي من توبة وغلبني البكاء والنحيب، وقال: "ثم رددت عليها لفافتها وإزارها، ثم رددت التراب، وجعلت على نفسي أن لا أنبش ما عشت وأرجع إلى ربي عله يغفر ذنوبي وفكرت في استفتاء العلماء والفقهاء هل لأمثالي توبة وماذا أفعل حتى يغفر الله ذنوبي؟".
قال أبو إسحاق الفزاري: "فكتبت بذلك إلى الأوزاعي فكتب إلي الأوزاعي... ويحك! سله عمن مات من أهل التوحيد ووجهه إلى القبلة أحول وجهه أم ترك وجهه إلى القبلة؟".
قال الفزاري: "فجاءني الكتاب فقلت نباش القبور: "أخبرني عمن مات من أهل الإسلام أترك وجهه على ما كان أم ماذا؟"، فقال: "أكثر ذلك حول وجهه عن القبلة".
قال الفزاري: "فكتبت بذلك إلى الأوزاعي فكتب إلى - إِنَّا للَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - ثلاث مرات - أما من حول وجهه عن القبلة فإنه مات على غير السنة، وأما نباش القبور فقد أقبل على العبادة لا يكاد يترك مكانه في المسجد ومجالس العلم والذكر وكثيرا ما يغلب عليه البكاء دون أن يتكلم".
ويروي عن سعيد بن جبير - رضي الله عنه - أنه قال: "بينما نحن جلوس في مجلس ابن عباس - رضي الله عنهما- إذ وقف رجل بين يديه فقال: "يا ابن عباس ما أذل العاصين بين يدي الله - تعالى - وما أحسن المبادرين إلى طاعة الله - تعالى"، ثم خرج، فقام إلى ابن عباس بعض جلسائه فقال له: "يا ابن عباس إن هذا الفتى نباش للقبور وإنما يتستر بهذه المقالة، فإذا جنى عليه الليل خرج إلى المقابر فنبشها فيعري الموتى من أكفانهم"، قال ابن عباس: "لا أصدق مثل هذا حتى أراه بعيني و ألمسه بكفي"، فقال له الرجل: "إن شئت لأرينّك ذلك"، فقال: "قد شئت".
وتابع سعيد بن جبير - رضي الله عنه -: "فلما هجم الليل إذا الفتى قد أقبل وفي يده اليمنى قنديل وفي اليسرى غلُّ حتى توسط المقابر، ثم رمى بطرفه شاخصًا، وقال: "سلامٌ عليكم أهل مضايق اللحود، ومطعم البلاء والدود، ما أبعد سفركم، وما أوحش طريقكم، فليت شعري ما حالكم ارتهنتم بأعمالكم وقطعتم دون آمالكم؛ بل ليت شعري أندم الحياة حل بكم، أم فرح البشرى بالقدوم على ربكم، سبقتمونا فلبيتم، وأجبتم قبلنا إذ دعيتم، ونحن للقدوم عليكم منتظرون، وللمنهل الذي وردتموه واردون، فبارك الله لنا ولكم على القدوم عليه، ورحمنا إذا صرنا إلى ما صرتم إليه".
وأضاف: "ثم نزل في قبر قد احتفره لنفسه فوضع خده على شفير اللحد وجعل ينادي": "يا ويلتي إذا دخلت في قبري وحدي ونطقت الأرض من تحتي فتقول: لي لا مرحبًا ولا أهلاً ولا سعةً ولا سهلاً بمن كنت أمقته وهو على ظهري، فكيف وقد صرت اليوم في بطني لأضيقنَّ عليك أرجائي، ولأذيقنَّك مكروه بلائي، ويلي إذا خرجت من لحدي حاملاً ووزري على ظهري وقد تبرأ مني أبي وأمي"، ثم خرّ مغشياً عليه، فلما أفاق رفع رأسه إلى السماء فقال: "يا ذخري ويا ذخيرتي ومن هو أعلم بطويتي وسريرتي، يا من عليه اعتمادي في حياتي، ومن إليه الجأ بعد مماتي، لا تخذلني بعد الموت، ولا توحشني في قبري يا سامع كل صوت"، فلما سمع ابن عباس مقالته لم يتمالك أن يسعى حتى وقف على شفير القبر وجعل ينادي: "لبيك لبيك حبيبي ما أنبشك للذنوب والخطايا، هكذا تنبش الذنوب وتمزق الخطايا"، ثم التفت إلى الذي سعى به وقال له: "يا عبد الله هكذا فاصنع كلما علمت بمثل هذا النبّاش".
آخر الأخبار