لديه 12 فيلماً في قائمة أهم 100 في تاريخ السينما المصريةبرع في أدوار الشر لكنه لم يكرر نفسه فيها فتألق وأبدعتفوق على أبطال أعماله بـ"إفيهات" لا يزال الجمهور يرددها "الرجل الثاني" أصابه باكتئاب وتمنى أن يلحق بالكفار في "الرسالة"القاهرة – نوال أحمد رمضان:تميز بقدرته وموهبته عن غيره من الفنانين، وقدم أدوار الشر بقالب كوميدي، ألبسته السينما عباءة الشرير والبلطجي رغم ان طبيعته غير ذلك، لكن تفوقه في معايشة أدواره جعل الجمهور يصدقه، ووصل إلى قمة إبداعه فيها لدرجة ان والدته صدقت أنه فقد روحه الطيبة.إنه الفنان توفيق الدقن، صاحب الأدوار التي لا تنسى والتي تفوق فيها وخطف الكاميرا من نجوم سبقوه في ترتيب الأسماء في الدعاية و"التترات"، علاوة على "الإفيهات" التي ارتبطت به ولا تزال تعيش بين الناس.بالعودة إلى رحلة الفنان الدقن، نجده شارك في العديد من الأعمال التي تُعد علامات بارزة في السينما، كان فيها نعم السند لأبطالها، ويكفي أنه عندما يذكر أهم 100 فيلم في ذاكرة السينما المصرية، يقفز اسمه عاليا لكونه شارك في 12 فيلما منها هي "درب المهابيل، في بيتنا رجل، الناصر صلاح الدين، القاهرة 30، مراتي مدير عام، المتمردون، يوميات نائب في الأرياف، الأرض، ليل وقضبان، المذنبون، حدوتة مصرية، وخرج ولم يعد".لم يحقق "الشرير الظريف"، كما كان يطلق عليه، هذه النجومية من فراغ، بل عاش عمره يطور امكاناته ويصقل موهبته، لذلك لم يكرر نفسه في أي نوعية من الأدوار التي قدمها، حتى اطار الشر الذي برع فيه كان أداؤه مختلفا في كل شخصية عن غيرها."حب الأبرياء"الغريب أن الفنان الذي أصبح قدوة كل ممثل جاء بعده واختار لونه، لم يحلم يوما أن يكون فناناً، وقادته الصدفة إلى ذلك، ففي العام 1946 أقامت جمعية الشبان المسلمين ببلدته المنيا في الصعيد، حفلها السنوي الذي يهتم بالرياضة والفن، وكان هو أحد ابطال العرض الرياضي، في ذلك اليوم لمحته الفنانة روحية خالد، ذات الشهرة الواسعة في المسرح حينها، فقررت منحه دور صغير في مسرحية "حب الأبرياء" بديلاً عن الممثل الأساسي الذي أصابته الحمى قبل العرض بساعات، وبناء على رغبتها عرض عليه المخرج صليب يونان تمثيل الدور فرفض، لكنه وافق تحت إلحاح، ليفاجأ الجميع به يحفظ الدور في أقل من ثلاث ساعات، وعندما صعد المسرح، اندمج في الشخصية بشكل كبير واستطاع أن ينتزع إعجاب الجمهور بأدائه المتميز، ما دفع روحية خالد في نهاية العرض، إلى الثناء عليه ونصحته أن يلتحق بمعهد الفنون المسرحية بالقاهرة، لأنه يمتلك موهبة حقيقية ستلحقه بركب كبار النجوم.ظلت النصيحة تطارد توفيق لأيام خاصمه النوم فيها وهو يفكر، وأخيرا قرر أن يترك المنيا إلى القاهرة، وهو ما حدث، لكنه عاد يجر أذيال الفشل لعدم قبوله بالمعهد بعد أن تقدم لاختباراته، خصوصا ان المتقدمين معه كانوا من الفنانين المتميزين وقتها مثل فريد شوقي وشكري سرحان، لكن القدر ابتسم له، في الأعوام التالية، ففي السنة الثالثة لانشاء معهد الفنون المسرحية، كانت المفاجأة التي أسعدت توفيق الدقن، حيث وصلته أعظم برقية في حياته من الفنان المسرحي الكبير زكي طليمات يستدعيه ليلتحق بالدفعة الثالثة للمعهد دون اختبارات.بعد سنوات الدراسة في المعهد، تخرج توفيق والتحق بالمسرح الحديث، ثم انضم لفرقة إسماعيل يس المسرحية في الفترة بين عامي 1954 و1956، إذ تركها وانضم إلى فرقة المسرح القومي التي ظل يعمل بها حتى أحيل إلى التقاعد عام 1983، خلال هذه السنوات قدم أكثر من 100 عرض مسرحي بعضها كان بطولة مُطلقة، على عكس السينما التي لم تمنحه البطولة المُطلقة نهائيا ولكنها جعلته نجما لامعا.المفارقة في مسيرة الدقن السينمائية، أن أول انطلاقته على الشاشة جاءت عندما اختاره عميد الأدب العربي د.طه حسين لأداء شخصية أحد المسلمين الذين استشهدوا في سبيل الإسلام في فيلم "ظهور الإسلام" العام 1951، وكان مثل هذا الدور كفيلا بأن يجعله يمضي رحلته مع الشخصيات الطيبة، لكن نظراته الحادة، جعلت المخرجين يحصرونه في أدوار الشرير والماكر.يعود الفضل في اتجاه الدقن، لهذه الأدوار إلى المخرجين يوسف شاهين وتوفيق صالح، حيث لعبا دورا مهما في تقمصه دور الشرير، الذي يرتكب الجرائم ويثير الشغب ويقف ضد القانون وزعيم العصابة الذي لا تفوته صغيرة أو كبيرة، وكانت البداية عندما أسند إليه توفيق صالح دور شرير في فيلم "درب المهابيل" العام 1955، فأعجب به يوسف شاهين عندما شاهد الدور وأسند اليه دورا مماثلا في فيلم "صراع في الميناء" العام 1956."أموال اليتامى"بعد تألقه في دور الشرير، توالت عليه هذه النوعية من الأدوار، التي كان ينافسه فيها العديد من الفنانين، فقرر الدقن أن يكون له أسلوبه المميز، إذ يرى أن الشرير لا بد أن يكون جميلاً وأنيقاً وظريفاً حتى يتمكن من إقناع الآخرين بنواياه السيئة، فاستعاض بخفة الظل عن الجمال والأناقة، كما كان يمتلك قدرة فائقة على توظيف إمكاناته لخدمة الدور الذي يلعبه من خلال صوته وملامح وجهه ونظرات عينيه وحركة الجسد وإشاراته كلها تعكس ذوبانه في الشخصية التي يؤديها.استطاع "الشرير الظريف" أن يتميز عن منافسيه في الشر، ولم يكن ينافسه على الساحة سوى الفنان ستيفان روستي، لكن لكل منهما شخصيته المختلفة التي أحبها الجمهور، أما الفنان محمود المليجي فقد كان خارج المنافسة بالنسبة له لأنه يعتبره أستاذه وأقرب الممثلين إلى قلبه، منذ أن عمل معه في فيلم "أموال اليتامى"، وكيف أن المليجي لاحظ توتره، خصوصا عندما كان توفيق ينظر إلى عينيه المعروفة بتعبيراتها المخيفة، فطلب المليجي من المخرج ايقاف التصوير، وجلس مع توفيق واستطاع تهدئته وبث الثقة في قلبه، منذ تلك اللحظة بدأت بينهما صداقة قوية، وكان الدقن يعترف دائما بأستاذية المليجي ويقول "أنا أخذت حاجات كتير من محمود"، بل انه كان لا يقبل أن يتعرض للضرب في الأفلام إلا منه وعدد محدود جدا من الفنانين، ويشهد على ذلك أنه أثناء تصوير فيلم "المخادعون" العام 1973 كان المشهد يتطلب أن يضرب الفنان حسن حامد زميله الدقن، لكنه اعترض بشدة وقال باستنكار "فريد شوقي يضربني مفيش مانع، محمود المليجي زى بعضه، رشدي أباظة لا بأس، لأنهم ياما ضربوني لكن حسن حامد صعب قوي"."الشيطان يعظ"وطأ الفنان الدقن بأقدامه الساحة، وحجز مكانة متميزة في تخصصه وبرع في "الإفيهات"، حتى يضفي على كل دور بصمة مميزة تجذب الجمهور، لذلك عندما كان الفيلم يخلو من "إفيهات"، أبدع توفيق في ابتكارها، أو كان بالسيناريو كلمات أو "أفيهات" لا تروق له، يناقش المخرج والمؤلف لتطويرها بلكنته الخاصة مثل الإفيه الشهير "أحلى من الشرف مفيش"، الذي استعان به نجوم كبار في أدوارهم وفي مقدمتهم منافسه ستيفان روستي.كذلك تضمن سيناريو فيلم "الشيطان يعظ "، عبارة "الدنيا جرا فيها إيه.. الناس كلها بقت فتوات؟"، فأضاف اليها الدقن "الناس كلها بقت فتوات.. أمال مين اللي هينضرب"، فأصبحت من أشهر "الإفيهات" بين الجمهور، وأعطت نكهة للمشهد وللعمل كله فختم بها المخرج أشرف فهمي الفيلم، كذلك الإفيه الشهير "العلبة دي فيها إيه.. فيها فيل"، حيث أبدع فيه، وإفيه "ألو ألو يا أمم" بفيلم "بنت الحتة" و"أنا راجل لعين يا أخي" بفيلم "على باب الوزير" و"يا آه يا آه" بفيلم "بحبك يا حسن" و"البلنس في الاكسلنس" بفيلم "الدرب الأحمر"، علاوة على الكثير من "الإفيهات" التي لا يزال يرددها الجمهور، مثل "حكمتك يا رب النملة طلع لها أسنان"، "صباح الخير يا اكسلانس"، "ألو يا همبكة"، "انتباه يا دانس".تميز الفنان الدقن، في أعماله السينمائية جعل الناقد والمؤرخ الفني محمود قاسم، يتحدث عنه باستفاضة في كتابه "أشرار السينما المصرية.. الوجه والقناع"، كاشفا أنه قدم أشكال مختلفة من الشر منها الشرير الكاريكاتوري كما في "فيفا زلاطا" إخراج حسن حافظ وبطولة فؤاد المهندس، حيث قدم دور رجل كاوبوي، ولأنه في هذا الفيلم كان كبيراً في السن ولم يعد ذلك الشرير الماكر، فأكسب شخصية الشرير روحاً مرحة وخفيفة وأظهرها بشكل مختلف، أيضا قدم الشر النفسي، في فيلم "مراتي مدير عام" إخراج فطين عبدالوهاب، بطولة شادية وصلاح ذو الفقار، عندما جسد شخصية الموظف المتملق خفيف الظل والنمام، صاحب الشائعات الذي ليس له هدف إلا الوقيعة بين الزملاء، علاوة على أدواره العديدة في الشر المعلن، مما جعله نموذجا ناجحا في هذه النوعية التي رغم أنها تندرج في إطار الشر، لكنه لم يكرر نفسه فيها. صدمة عمرهتفوق "الشرير الظريف" في أدواره أهله لأن ينتقل من دور السنيد إلى البطولة المطلقة، حيث اختاره المخرج عز الدين ذو الفقار لتجسيد دور البطولة المطلقة في فيلم "الرجل الثاني"، إلا أن الفنانة اللبنانية صباح رفضت بشدة وأصرت أن يكون البطل رشدي أباظة، فقد كانت تربطهما قصة حب ولأجل عيون الشحرورة أطيح بالدقن الذي صُدم بشدة خصوصا أن هذا الدور كان سبباً في أن يصبح رشدي أباظة أحد أهم نجوم السينما، وأدى استبعاده من البطولة المطلقة في إصابته باكتئاب، خصوصا أنه كان ينتظرها، لكونه يرى نفسه لا يقل عن أي من النجوم الذين يسبقونه في الدعاية، بل كثيرا ما يتفوق عليهم وتظل أدواره هي النقاط المضيئة في أعمالهم، ولم يقف الأمر عند معاناته من الاكتئاب بل انتهز مرض السكري الفرصة واقتحم جسده، وعندما علم الفنان رشدي أباظة بما حدث ولم يكن يعرف أنه كان المرشح لبطولة الفيلم، ذهب إليه في بيته وأصر على التنازل عن الفيلم، إلا أن الدقن رفض شفقته.لم تكن هذه المرة الأولى التي يشعر فيها الشرير الظريف بالظلم، إذ حدث ذلك معه مرة أخرى، عندما كان مرشحا لفيلم "الرسالة"، للمخرج السوري الراحل مصطفى العقاد في العام 1977، ولكن تم استبعاده فاستشاط الدقن غضبا، وفي إحدى السهرات وبعد عرض الفيلم توجه إلى العقاد وسأله غاضبا عن سبب استبعاده من الفيلم، فأجابه العقاد بأن الفيلم ديني وأن كل أدواره الفنية تنحصر في السكير والبلطجي واللعوب واللص، فقال توفيق للمخرج مصطفى العقاد، وكله غيظ دون أن يتخلى عن خفة ظله "كان ممكن ترشحني لدور واحد من الكفار".ونظرا لحبه الشديد للعمل السينمائي لم يستطع الدقن أن يبعد عنها وعاد إليها في دور السنيد، متذكرا نصيحة أنور وجدي له في بدايته الفنية بألا يرفض أي دور يُعرض عليه حتى يعرفه الجمهور، لكنه لا يفعل ذلك بعد أن تجاوز مرحلة الانتشار، وهو ما سار عليه الدقن بالفعل، فأصبح بعد النجومية التي وصل إليها لا يقبل إلا الأدوار التي تضيف لرصيده الفني، مهما كان صغر الدور مثلما حدث في فيلم "الشيماء" الذي أدى فيه دور "دريد بن الصمة" فرغم صغر الدور، إلا أنه حصل عنه على جائزة لبراعة الأداء، وكان دائما يقول "ليس هناك دور كبير ودور صغير ولكن هناك ممثلا كبيرا وممثلا صغيرا"، وقد أثبت خلال رحلته في السينما أن أدواره لم تكن "تكملة عدد"، لكنها محورية تدور حولها الأحداث وسند أساسي للبطل المطلق.نهاية الرحلةرغم تألقه في أدوار الشر إلا أنه كان يهرب من أدوار الاغتصاب والعنف والإسفاف، وأي دور يمكن أن يخجل منه أهله، بل أنه وفي محاولة لتغيير اطار أدواره استطاع أن يقدم أدوار الرجل الطيب وينجح فيها مثل دور الأب في فيلم "على باب الوزير"، والزوج الطيب المخدوع في فيلم "امرأة ورجل" وغيرهما.خلال رحلته مع السينما قدم الدقن، نحو 233 فيلما منها 33 فيلما في الخمسينات و78 في الستينات و92 في السبعينات و30 فيلما في الثمانينات، كان أولها "ظهور الإسلام" وآخرها فيلم "المجنون".لم يكتف "الشرير الظريف"، بنجوميته في السينما لكنه أيضا برع في المسرح الذي قدم فيه علامات بارزة مثل "الفرافير، انتهى الدرس يا غبي، سكة السلامة، المحروسة، البلدوزر"، بجانب أدواره المهمة في الدراما التلفزيونية مثل "أحلام الفتى الطائر، الحقيقة، ذلك المجهول، غريب في المدينة، محمد رسول الله، مارد الجبل، الرجل ذو الخمسة وجوه، هارب من الأيام، نور الإسلام، ألف ليلة وليلة" وغيرها، أيضا ساهم بدور كبير في الدراما الإذاعية بأدوار مهمة جدا مثل دوره في "سمارة" و"صابرين" وغيرهما. أمام هذا التاريخ الحافل كان لابد أن يتوج الدقن بالجوائز والأوسمة، فقد حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى العام 1956 وقدمه له الرئيس جمال عبدالناصر، كما نال وسام الاستحقاق وكرمه الرئيس محمد أنور السادات في عيد الفن العام 1978 وقدم له شهادة الجدارة علاوة على جوائز أخرى مثل درع المسرح القومي، جائزة اتحاد الإذاعة والتلفزيون، جائزة جمعية كتاب ونقاد السينما، وجوائز أخرى عن أدواره في عدد من الأفلام، منها "في بيتنا رجل"، "الشيماء"، "صراع في الميناء"، "القاهرة 30 "، و"ليل وقضبان".بمرور الزمن، رسمت الشيخوخة أثارها على وجهه وأنهكت جسده، فعزف عنه المخرجون الجدد، وإذا استعان به أحد، عانى من التجاهل وعدم الاحترام فى كتابة الاسم، فلم يكن يبدي اعتراضا وفضل أن يتعامل مع الأمر بنصيحة الفنان حسين رياض، الذي قال له "إنت لا قبل أحد ولا بعد أحد.. اكتب مثلي بالاشتراك مع الفنان الكبير". وفي 27 نوفمبر 1988 رحل الفنان الدقن بعد معاناة وصراع مع الفشل الكلوي والاكتئاب وكانت آخر كلماته لابنه: "لم أترك لكم شيئا مخزيا تخجلوا منه".

الدقن وصديقه محمود المليجي

مشهد من فيلم مع محمد عوض

الدقن وعبدالرحمن أبو زهرة

الدقن وحسن عابدين في التلفزيون

تميز في الدراما التلفزيونية

توفيق في أحد أعماله

الدقن في عرض بالمسرح القومي

توفيق الدقن وأسرته