الخميس 26 يونيو 2025
36°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الافتتاحية

جحا والحكماء الثلاثة... وتشكيل الحكومة

Time
السبت 08 أكتوبر 2022
View
10
السياسة
أحمد الجارالله

يُرْوى أنَّ جحا كان يسكن مدينة واليها صارمٌ، وفي يوم من الأيام جاءها ثلاثة من الحكماء، ونزلوا في قصر الوالي، وكانوا يسعون إلى امتحان وجهاء البلاد، وبعد أن استقروا في مقامهم، بدؤوا تجاذب أطراف الحديث، وبينما هم يتحادثون طرح أحدُهم سؤالاً على الوالي: هل يوجد عندكم في المدينة شخصٌ ذكيٌّ يستطيع أن يفكَّ الألغاز الصعبة؟ فكّر الوالي وكان أوّل من خطر في باله جحا، فاستدعاه فوراً.
وصل حجا إلى القصر، حيث شاهد جمعاً كبيراً من النّاس، أتوا ليشهدوا مقدرته على حل الألغاز الصعبة، وهل سيكون محل رضا الوالي؟
دخل جحا الديوان مُصطحباً حماره، فبادره الحكيم الأول بالسؤال: أين يقع مركز الكرة الأرضية؟ أجابه جحا: مركز الكرة الأرضية هنا، وأشار إلى حافر حماره الأيسر، تفاجأ الحكيم بالإجابة، وقال: كيف يكون هذا؟
رَدَّ: إن لم تُصدّقْني أطلب منك أن تحفر أسفل الحافر لكي تتأكّد من صحة كلامي، وإن كنتُ مُخطئاً أسمح لك أن تصفني بما تشاء.
حينها باغته الثاني بالسؤال: كم عدد النجوم في السماء؟ أجاب فوراً: إنَّ عدد النُّجوم في السماء بعدد شعر حماري، استغرب الحكيم، فأردف جحا قائلاً: وإن لم تُصدّقني عليك بعد شعره. فغضب الحكيم وقال: وهل يستطيع أحدٌ كان عَدَّ شعر الحمار؟ فقال جحا: وهل يستطيع أحدٌ عَدَّ النُّجوم في السماء؟
استغرب الحكماء وجميع الموجودين إجابات جحا، لكن لا أحد استطاع الرد على كلامه، عندها جاء دور الحكيم الثالث فسأله: إن لم تكن قادراً على عَدِّ نجوم السماء، إذاً ما عدد شعر رأسي؟ فقال جحا: عدده هو نفسه عدد الشعر الموجود في ذيل الحمار، وحتّى تُصدّقني انزع أول شعرة من رأسك مع أول شعرة من ذيل الحمار، واستمر بذلك، فإن انتهى عدد شعر رأسك مع عدد شعر ذيل الحمار فأكون على حق.
حينها أسقط بيد الحكماء الثلاثة، فأراد الوالي زيادة التأكيد على نباهة جحا، فسأله: متى يأتي أجلي؟ فكان جواب جحا الآية القرآنية: "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ".
عندها ضحك الحكماء الثلاثة من حيلة جحا ودهائه وقالوا: بالفعل أنت ذكيٌّ وحكيمٌ أيضاً، لكن من أين جئت بهذه الإجابات، فقال لهم: من يسأل أسئلة غير منطقية فمن الطبيعي أن يسمع إجابات ليست معقولة. وبهذا انتصر جحا على الحكماء الثلاثة.
لا شكَّ أنَّ الحكام يستعينون بالمُستشارين العارفين؛ كي يُقدِّموا الحلول للمُشكلات التي تواجه الدولة، ويجب أن يكونوا من الفطنين الذين يُقدِّمون مصلحة الأمة على كلِّ أمر آخر، لكن يبدو أنَّ المستشارين المُقربين من صانع القرار قد أساؤوا تقدير رد الفعل الشعبي على الخطاب الأميري التاريخي الذي ألقاه سمو ولي العهد في 22 يونيو الماضي، والتحية التي رَدَّ الشعب بها من خلال مخرجات الانتخابات، فأشاروا على سمو رئيس مجلس الوزراء، الذي كان في مهمة عمل خارجية، بتشكيلة وزارية لا تلبي الطموح، فكان أن أُجهضت بعد ساعات من صدور مرسومها، عقب انسحاب الوزير المُحلل عمار العجمي منها.
أن يكون 47 نائباً ضد هذه الوزارة، فذاك معناه أنها حكومة تحدٍّ، وهو ما لن تقبله القيادة السياسية ولا أعضاء السلطة التشريعية، وهي خطوة يُراد منها وضع العصي في دواليب التعاون بين السلطتين، بينما البلاد بحاجة ماسة إلى كل خطوة للخلاص من تبعات المرحلة الماضية لا العودة إلى التأزيم.
قلنا مراراً وتكراراً: ليس المهم سرعة تشكيل مجلس الوزراء، بل حُسن اختيار الكفاءات لتولي المناصب التنفيذية الحساسة، وذلك لا يكون إلا عَبْر مركز مُتخصص في ترشيح الرجل المناسب لأداء المهمة المناسبة، كما حال عدد من الدول، حيث يبحث الأمناء في هذا المركز ملف كل مرشح لمنصب أمني أو تنفيذي أو وزاري، ويطلعون على شهاداته وسيرته الذاتية، بل سلوكه الاجتماعي، أي يعرفون كل "ساقطة ولاقطة" عنه.
لا شكَّ أنَّ هناك متسعاً من الوقت لبلورة الصورة الصحيحة عمن يمكن أن يتولى هذه المناصب التي هي أصلاً لمساعدة الحاكم على تنفيذ رؤيته، وتحقيق آمال شعبه، لا أن يكون لديه فريق من المستشارين الذين يغلبهم حجا بسهولة؛ لأنهم يُقدِّمون حلولاً غير منطقية لمشكلات البلاد، وهؤلاء ينطبق عليهم المثل: "هذا اللي يجهز الدوا قبل الفلعة".

[email protected]
آخر الأخبار