الخميس 01 مايو 2025
31°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

جريمة الزنا بين الشريعة والقانون

Time
الأربعاء 04 ديسمبر 2019
View
120
السياسة
حماده الامير

[email protected]


يعتبر الزنا من أبشع وأعظم الذنوب والمفاسد بعد الشرك بالله وقتل النفس، اذ قال عز وجل في كتابه" وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا"، فهو فاحشة مُهلكة ومن الكبائر الجسيمة، وقد حرمه الله تعالى تحريما قاطعا حين قال:"وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا"، وأوجب سبحانه وتعالى على من أرتكبه عقوبة دنيوية كفارة وتطهير من ذنبه، وهي الحد الذي قدّره الله تعالى على الزاني والزانية غير المتزوجين بالجلد مئة جلدة مع التغريب سنة للرجل عن بلده، والرجم بالحجارة حتى الموت للزاني والزانية المتزوجين، قال تعالى:" الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ".
أما عقوبة الآخرة هي الخلود في العذاب المضاعف المهين، وقد حرم الله تعالى الزنا لحكمة عظيمة لمنع اختلاط الأنساب، والمحافظة على الفروج، وصيانة الحرمات، والمحافظة على الأسر من فساد البيوت وتدميرها، والمحافظة على كرامة المرأة ومكانتها، ولمنع انتشار الجرائم بين الناس، كالقتل المترتب على تلك الفاحشة، وللحماية من الأوبئة والأمراض التي تعقبه مثل الـ"ايدز" والزهري وغيرهما.
ونظراً لخطورة هذا الأمر وحتى لا يُصبح اتهام الناس بالزنا سهلاً، فقد احتاط الشرع في طرق اثباته، ووضع شروطاً دقيقة لترتيب عقوبته، فلا يثبت إلا بأحد أمرين، أولهما: اعتراف الرجل أو المرأة بفعل الزنا، أو أن يشهد أربعة شهود عدول ثقات أنهم رأوا ذلك الفعل رؤية كاملة دون شك مع عدم اختلاف شهادتهم عن بعضهم بعضا، ولا يقام الحد عند انتفاء الشبهة، فلا يقام على من وطأ امرأة ظنها زوجته، أو وطأ زوجته في نكاح باطل اعتقد صحته، أو اذا كره الرجل أو المرأة على الزنا، واذا اتهم أحد المسلمين آخر بالزنا ثم لم يستطع أن يأتي بأربعة شهداء عدول فأنه يجلد ثمانين جلدة عقوبة الإفك.
وقد جرم المشرع الكويتي الزنا في المواد 195و196 و 197 من قانون الجزاء حيث نصت المادة 195 على أن كل شخص متزوج رجلا كان أو امرأة اتصل جنسيا بغير زوجه، وهو راض بذلك، وضبط متلبسا بالجريمة يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تجاوز خمسة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويُعاقب شريك الزوجة الزانية وشريكة الزوج الزاني، إذا كان كل منهما يعلم أو يستطيع أن يعلم أن من زنا معه متزوج، بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تجاوز ثلاثة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين وذلك وفقاً للمادة 196 جزاء، ويجوز للزوج المجني عليه في جريمة الزنا أن يمنع إقامة الدعوى الجزائية على الزوج الزاني رجلا كان أو امرأة، وعلى شريكه في الزنا بشرط أن يقبل المعاشرة الزوجية كما كانت، ولهذا الزوج أن يوقف الإجراءات في اي حالة كانت عليها، كما ان له ان يوقف تنفيذ الحكم النهائي برضائه استمرار الحياة الزوجية طبقاً للمادة 197 جزاء.
وتختلف جريمة الزنا في القانون الوضعي عن الشريعة الإسلامية، ففي القانون الوضعي يلزم لقيام تلك الجريمة أن يكون أحد أطراف العلاقة على الأقل متزوجا، فإذا كان الرجل متزوجا كانت الجريمة زنا الزوج وفيها الزوج الفاعل الأصلي والمرأة غير المتزوجة شريكة له، وإذا كانت المرأة هي المتزوجة والرجل غير متزوج فإن الجريمة هي زنا الزوجة وهي الفاعل الأصلي والرجل الشريك لها، اما بالنسبة للشريعة الإسلامية فإن الزواج ليس شرطا لتوقيع العقاب.
وإذا انحل زواج المتهم بالزنا بالطلاق فإن فعله يندرج تحت المواقعة وليس الزنا، بيد أن هذا الطلاق يتعين ان يكون بائنا، فاذا كان طلاقاً رجعيا، فتهمة الزنا هي التي تثبت إذا حدث فعل الوطء في فترة العدة، ويلزم لقيام جريمة الزنا توافر الركن المادي للجريمة ويتحقق بإتيان المرأة من قبل بإيلاج عضو التذكير، ويشترط أن يكون الوطء قد وقع فعلاً، وأن يكون الجاني متزوجاً، كما يلزم توافر الركن المعنوي للجريمة، وهو القصد الجنائي ويتحقق بإنصراف علم الجاني واتجاه إرادته إلى ارتكاب الفعل الذي تقوم عليه الجريمة، وهو الصلة الجنسية، كما يتطلب المشرع الجزائي ان يتم ضبط المتهمين في جريمة الزنا في حالة تلبس أي ان تكون الجريمة مشهودة بطريقة يقينية لا تحتمل شكا في أن الزنا قد وقع، واستقر القضاء على الاعتداد باعتراف المتهم في اثبات وقوع جريمة الزنا باعتباره أقوى الأدلة.
وبالنظر لحال الدنيا نجد أن البعض من ضعاف الدين والنفوس قد فرطوا في أوامر الله وتهافتوا لارتكاب تلك الفاحشة، واندفعوا كالذئاب الضالة يفتك بعضهم ببعض لإشباع غرائز عفنة تزول لذتها، وتبقى تبعتها عذابا أليما وغضباً شديدا، وفقراً ولو بعد حين، فعلينا البعد عن الذنوب والمحرمات، وعن كل ما من شأنه أن يكون ذريعة لفعل الزنا، وعلينا بغض البصر، وعدم اختلاط المرأة بالرجال الأجانب أو الخلوة بهم، وعدم ابداء زينتها للأجانب، وعلى من لا يستطيعون النكاح العفة حتى يغنيهم الله من فضله، ولمن وقع في هذا الذنب العظيم عليه الرجوع إلى الله والتوبة منه توبة نصوحاً، وأن يندم عليه، ثمّ أن يعزم على ألا يعود إليه، وأن يتبع تلك التوبة النصوح بالأعمال الصالحة والطاعات، فإن فعل ذلك صادقا تاب الله عليه مصداقا لقوله تعالى:"إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا".
محام مصري
آخر الأخبار