كل الآراء
حجية الأمر المقضي وقوة الأمر المقضي
الاثنين 08 يوليو 2019
390
السياسة
حمادة الأميرالحجة تعني الدليل والبرهان، يقال برهن الشيء أي أقام عليه الحجة، والحجية تعني أن الأمر قد اصبح حجة أي دليلاً وبرهانا قاطعاً على ما اشتمل عليه، وله قوة مانعة من نظره لاحقاً، كما لا يجوز قبول دليل آخر ينقض هذه الحجية. وقد يختلط الأمر على الكثيرين الذين لايفرقون بين حجية الأمر المقضي ، وقوة الأمر المقضي، وعدم التمييز بينهما، وهذا خطأ وجب تصحيحه. فمبدأ حجية الأمر المقضي به، مفاده أن الحكم القطعي الفاصل في جوهر النزاع حجيته فيما فصل فيه من الحقوق بين الخصوم نفسها دون أن تتغير صفاتهم، وبالنسبة الى الحق نفسه محلا وسبباً، وهو حجة في هذه الحدود بحيث لاتقبل الدحض والجدال، ولاتتغير، أو تتبدل إلا بطريق من طرق الطعن في الحكم. وتثبت هذه الحجية لكل حكم موضوعي يفصل في خصومة تناضل فيها الخصوم واستقرت بحكم قضائي بينهما سواء كان نهائياً، أو ابتدائياً حضورياً، أو غيابياً، وتبقى للحكم حجيته إلى أن يزول، فإن كان غيابياً، فحجيته باقية حتى يزول بإلغائه بالاستئناف، وان كان صادراً من محكمة الاستئناف حتى يزول بالطعن عليه أمام محكمة التمييز، ويتمتع الحكم القضائي بمقتضى الحجية بنوع من الحصانة، والحرمة التي تمنع مناقشة ما حكم به بين الخصوم في موضوع النزاع، ومن أثر تلك الحجية عدم جواز نظر الدعوى مرة أخرى بعد الفصل فيها، وتقيد تلك الحجية الخصوم من إعادة رفع دعوى جديدة مرة أخرى يثار فيها ذات النزاع، كما تقيد القاضي الذي طرحت عليه الدعوى من جديد بعدم قبولها لسابقة نصرها، وصدور حكم فيها بين الخصوم، وذلك ضمانا لاستقرار الحقوق، والمراكز القانونية التي أكدتها أحكام القضاء. ولحجية الأحكام أهمية بالغة، وذلك في وضع حد نهائي للنزاع حتى لا يتكرر، ويتجدد أمام القضاء إلى ما لا نهاية، ويتعطل بذلك مرفق القضاء المهم للناس والدولة، ويكون مسرحاً للكيد، والجدال المتجدد، والمماطلة، والتسويف بين الخصوم، كما أن للحجية دورا مهما في تفادي صدور أحكام متعارضة في الوقائع الواحدة. ونظراً لأهمية مبدأ حجية الأمر المقضي، فقد نص المشرع الكويتي عليه في المادة 53 من المرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1980 بإصدار قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية بنصه: "الأحكام التي حازت حجية الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الخصومة، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتعلق بذات الحق محلاً وسبباً وتقضي المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها". وجعل المشرع تلك الحجية من النظام العام بحيث لايجوز للأطراف الاتفاق على مخالفتها، والدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها يجوز إبداؤه في أي حالة تكون عليها الدعوى، وتحكم به المحكمة من تلقاء نفسها طبقاً لنص المادة 82 من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 1980/38، ويشترط في الحكم حتى يجوز الحجية أن يكون حكما قضائيا، أي صادر من جهة قضائية بموجب سلطتها القضائية، وأن يكون قطعياً، وهو الصادر في موضوع الخصومة بالبت فيها ولو كان ابتدائيا، وأن تتوافر في الحكم الشروط من اتحاد الخصوم، واتحاد المحل، واتحاد السبب. أما قوة الأمر المقضي فيه فهي مرتبة يصل إليها ذلك الحكم إذا أصبح نهائياً غير قابل للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن المقررة قانونا في الأحكام. هدياً بما سبق يتضح لنا أن قوة الأمر المقضي مرتبة من مراتب الحكم تعني أنه غير قابل للطعن فيه، أما حجية الأمر المقضي به فتعني، أن الحكم له حجيته، ولكن قابلاً للطعن فيه، ولم يتم إلغاؤه بعد ، والحكم القطعي نهائياً كان، أو ابتدائياً، وسواء حضورياً، أم غيابياً تثبت له حجية الأمر المقضي لأنه حكم قضائي فصل في خصومة، ولكن هذا الحكم لا يجوز قوة الأمر المقضي إلا إذا أصبح نهائيا غير قابل للطعن فيه بطريق اعتيادي، فإذا طعن فيه، وتم إلغاؤه زال وزالت معه حجيته، أما إذا تأيد بقيت له حجية الأمر المقضي، وأضيفت لها قوة الأمر المقضي، ولهذا فإن كل حكم يحوز قوة الأمر المقضي يكون حتماً حائزاً لحجية الأمر المقضي، والعكس غير صحيح.محام مصري