الخميس 26 يونيو 2025
36°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

حرمة الحياة الخاصة وصون كرامة الإنسان بين الواقع والقانون

Time
السبت 20 أبريل 2019
View
5
السياسة
حمادة الأمير

اختص الله عز وجل الإنسان من بين خلقه بأن كرمه وفضله وشرفه على جميع مخلوقاته، ووضع له جملة من الحدود لصون كرامته وضمانة لحقوقه حالة الاخلال بها والتعدي عليها من الغير، وقد كفلت الأديان السماوية حرمات وحقوق الانسان قبل ان تكفلها الدساتير والقوانين الوضعية.
والحياة الخاصة تعتبر من أهم الحقوق الملازمة للإنسان وتمثل خاصية عزيزة في كيانه لا يمكن انتزاعها منه، ولا يجوز اقتحامها تحت أي سبب من الأسباب.
وقد كفلت الدساتير والقوانين في دول العالم كافة، وأرست من القواعد والاحكام الخاصة، لضمان حرمة الحياة الخاصة وحماية وتعزيز حقوق الإنسان.
وقد أشارت النصوص الدولية الى تلك الحقوق فقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948 حرمة الحياة الخاصة في المادة 12التي نصت على أنه" لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة، أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته ولا لحملات تمس شرفه وسمعته، ولكل شخص حق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات".
كما نصت المادة 17 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على الحق في الحياة الخاصة للإنسان وحمايتها من أي اعتداء.
ولعل من أهم حقوق الإنسان حقه في عدم المساس بشرفه واعتباره وسمعته والحط من كرامته ومكانته في المجتمع والتشهير به بأي شكل من الاشكال.
فلا يجوز لأي شخص التعرض لحياة الآخرين وكرامتهم، وإلقاء التهم جزافا عليهم تحت أي مسمى ذلك لان ممارسة الحق يجب ان تتوقف عند الحد الذي يتماس فيه مع حقوق الآخرين أو يضر بها، فالحرية لا تعني الفوضى بحال من الأحوال، كما ان الحرية هي المسؤولية، والانسان الحر هو ذلك الانسان المسؤول عما يفعل، وان يكون فعله خاليا من قذف وسب وإهانة وتشهير وإساءة وامتهان والتهكم على الآخرين.
ان ابداء الرأي وحرية الكلمة، إذا اعتبرها البعض رخصة لنقد الآخرين، فيجب ان تكون عن بصر وبصيرة من دون المساس بشخص الغير او خدش كرامته أو نقض أصل البراءة المفترض فيه، فافتراض البراءة هو المبدأ القانوني الذي يعتبر الشخص بريء حتى تثبت ادانته، كما ان الجزم بثبوت جرم ضد شخص ما، له طبيعته الإجرائية وسلطته المختصة، وبموجب حكم قضائي نهائي وبات، لا على مجرد اقاويل وشبهات واباطيل ومزاعم لا سند لها ولا سنام من صحيح الواقع والقانون.
وقد تناول المشرع الجزائي القذف والسب ضمن نصوص قانون الجزاء الكويتي رقم 16/1960 في المواد من 209 إلى 216 وشدد العقوبات فيها، لما لها من أثر كبير في حياة الفرد كونها تقع على شرفه وعرضه واعتباره.
وكان نتيجة ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي شهدها العالم وتطورها الكبير والسريع ظهور نوع جديد من الاعلام، وهو الاعلام الالكتروني الذي أصبح أحد محاور الحياة المعاصرة، وكذلك انتشار المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
ومع الاستخدام المتزايد لتلك التكنولوجيا أصبحت حياة الانسان في خطر متواصل ومتجدد، وأفرز ذلك ظهور نوع جديد من الجرائم أطلق عليه الجرائم المعلوماتية، او الالكترونية، والتي انتشرت نتيجة الاستخدام السيئ اللامسؤول للأنترنت، سواء من الأفراد أو وسائل الاعلام الالكتروني، تحت ستار وحجة حرية الرأي والتعبير، وتعالت الأقلام وأستغل البعض، وبسوء نية، مواقع التواصل الاجتماعي الاستغلال السيء في التشهير والاساءة للآخرين لأغراض خبيثة، هدفها النيل من سمعتهم وابتزازهم بغية تحقيق الربح المادي، او بدافع شهوة الانتقام، او مدفوعين من اخرين لأغراض شخصية لارتكاب تلك الأفعال المؤثمة قانونا، وأصبح الانسان عارياً تماماً، وأصيب بأضرار جسيمة معنوية ومادية جراء تلك الأفعال.
وقد تدخل المشرع وقنن تلك الأفعال بالتجريم حرصا منه على صيانة وحماية كرامة الأشخاص وحياتهم وسمعتهم كجزء من حرياتهم الشخصية، فنص القانون رقم 63/2015 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات المادة 3 / 4 منه على تجريم ما سلف بيانه.
وقد كفل القانون رقم 3/2006 في شأن المطبوعات والنشر في مادته الأولى حرية الصحافة والطباعة والنشر، كما بين القانون المذكور في الفصل الثالث منه المسائل المحظور نشرها فنصت المادة 21/7 على حظر وتأثيم كل نشر من شأنه المساس بكرامة الأشخاص أو حياتهم أو معتقداتهم الدينية التي حماها الدستور والقانون وهو ما يشمل المساس بالشرف أو الاعتبار أو المركز الاجتماعي أو الادبي بين الناس ونشر وضعهم المالي فلا يجوز أن يخرج النشر أو النقد إلى حد الاعتداء على أحد الحقوق سالفة الذكر، فإذا تجاوز ذلك إلى حد الطعن والتجريح أو التشهير فلا يكون هناك ثمة حل للاحتجاج بالنقد المباح وحرية الصحافة والنشر.
ومن ثم لا يجوز أن يتعرض أي شخص لحياة شخص آخر، أو نشر وقائع غير صحيحة، أو الطعن في اعراض وسمعة وكرامة ومكانة الغير في المجتمع، أو توزيع التهم جزافا عليهم، ومن يخالف ذلك يقع تحت طائلة القانون، ويصبح عقابهم حتما مقضيا.
محام مصري
آخر الأخبار