إعداد - محمود خليل: لا يعلم كثيرون أن أفريقيا جنوب الصحراء التي لم تصل إليها جيوش الفتح الإسلامي قامت بها دول وممالك إسلامية كان لها دور بارز في نهضة الإسلام والدفاع عنه في مواجهة الهجمات التي كانت تسعى للنيل منه، في هذه الحلقات نستعرض عددا من تاريخ أهم الدول والممالك الإسلامية في أفريقيا جنوب الصحراء، مواقفها من دول الاحتلال الأوروبية دفاعا عن الأرض والدين. كانت مملكة "الهوسا" في العصور الوسطى، تشمل نيجيريا وجزءًا من النيجر الحالية، أطلق عليها هذا الاسم لأن أهلها كانوا يتكلمون لغة "الهوسا" التي نتجت عن امتزاج قبائل وأعراق من السودانيين، الزنوج أهل البلاد الأصليين، الطوارق، الفولانيين، ثم العرب، أصبحت لغة السكان والتجارة. يرى بعض علماء اللغات أن كلمة "الهوسا" مركبة من مقطعين "هو" بمعنى راكب، و"سا" بمعنى الثور، أي يكون الاسم راكب الثور، أطلق عليهم هذا الاسم لأن ركوب الثيران لم يكن معروفا وقتها وأنهم أول من استخدموه كوسيلة للنقل والركوب في غرب أفريقيا، يقال أنهم نقلوا هذه الوسيلة عن العرب.تنقسم قبائل الهوسا إلى 39 قبيلة، اراوي، ادراوي، اريوى، دمغراوى، دوراوى، غايبا، غوبراوى، هيطيجاوى، كناوى، كاستيناوى، كباوى، كاناغو، كرفاوي، سكاوي، زنفراوي، هوسى اجي.تكونت المملكة من سبع إمارات صغيرة، اطلق عليها اسم "هوسا بوكوي"، أي الإمارات السبع، التي تضم كلا من، "كانو"، "كاتسينا"، "زاريا"، "جوبير"، "دورا"، "رانو"، "زمفرة"، كانت الحروب تندلع بينها بين فترة وأخرى بسبب أطماع حاكم أحداها في فرض سيطرته على باقي الإمارات أو بعضها، رغم شبه الاتحاد فيما بينهم، اشتهر سكانها بالزراعة، الصناعة، التجارة، وصلت قوافلهم إلى طرابلس، تونس، مصر، تحمل الذهب، العاج، الرقيق.كانت مملكة "كانو" أكبرها ومن أغناها وأوسعها، سكنها البربر، أما مملكة كاتسينا، فسكنها الفوالني، الطوارق، الماندونجو، حكمها ملوك مسلمون، بينما كان سكان مملكة زاريا من التجار الأغنياء، ضمت مملكة جوبير، طوائف التجارة والصناع، ما مكنها من إنشاء علاقات دينية، تعليمية، تجارية، مع باقي الممالك.فقدت مملكة رانو، سيادتها لصالح مملكة كانو، أما مملكة دورا، فتعد أقدم إمارات الهوسا وأكبرها، فيما ظلت مملكة بيرام، مملكة مغمورة، بسبب فقرها.تذكر المصادر التاريخية أن السكان الأصليين كانوا وثنيين، يحكمهم ملك، يمارس الكهانة والصيد، يعيش في عزله عن الناس، أما أغنية "باغودا"، فتبين أن السكان كانوا يعيشون في قرى عشائرية مستقلة، تعرضت لغارات من الجيران، أسمتهم "الوافدون".تذكر الأغنية "الأسطورة"، أن زعيم الوافدين اسمه "اباياجيدا"، قدم من الشمال، اقتحم مدينه دوارا، قتل أفعي خطيرة، تزوج ملكة من ملكات الزنوج، انجب منها سبعة أبناء شيدوا إمارات الهوسا السبعة.
تزوج "اباياجيدا" امرأة اخرى، انجب منها سبعة أبناء أيضا، استطاعوا تشييد سبع ولايات أخري، "كب"، "نوب"، "جواري"، "يوري"، "كورافا"، "ايللورين"، "زنفره". فيما تقول أساطير شعبية أخرى أن نسبهم يعود إلى أمير تركي هرب من بغداد يدعى "بابا جيدا"، بعد خلاف وقع بينه وبين والده، فلجأ إلى بحيرة تشاد حيث كانت توجد دولة كانو، فقام الملك بتزويجه ابنته "ماجيرا". عقد الملك العزم على قتل "بابا جيدا" بعدما دب الخلاف بينهما، لكن الأمير استشعر ما يكنه الملك ففر باتجاه الغرب تاركا زوجته الحامل، التى أطلقت على مولودها اسم "برم".واصل طريقه حتى وصل دورا، رأى بئر ماء حوله أفعى ضخمة يطلق عليها اسم "سركي" أو الزعيم بلغة الهوسا، تمنع الأهالي من سحب الماء منها، لكنه تمكن من قتلها بسيفه بعد مناورة طويلة معها، أعجبت به "دوراما" ملكة البلدة فتزوجته، أنجبت له ولداً أسمته "باوا"، ثم رزق بستة أبناء أصبحوا فيما بعد مؤسسي الإمارات السبع.يري بعض المؤرخين تعقيبا على هذه "الأساطير" الشفهية، أن غزو البربر لأرض الهوسا كان في موجتين كبيرتين، أسست الموجة الأولي إمارات الشمال، بينما أسست الثانية إمارات الجنوب، كانت الصلة بينها وثيقة.لذا يرجح أن الزعيم "اباياجيدا" والحكام الأوائل للإمارات، كانوا من البربر، خاصة أن لغة الهوسا تعتبر من أقرب اللهجات إلى لغة البربر.سيطر تجار "الهوسا" على النشاط التجارى في السودان الأوسط، أصبحت لغتهم لغة التخاطب العامة فى الأسواق، خاصة بعد انهيار سلطنة "صنغاى" على يد المرَاكشيين، فصارت مراكزهم التجارية تتحكم فى التجارة والطرق التجارية.اعتنق حكام إمارات "الهوسا" السبع الإسلام في فترة مبكرة، إذ دخل إمارة "كانو" في أواخر القرن الثانى عشر الميلادى، باقي الإمارات في أوائل القرن الرابع عشر الميلادى، اتسم حكمهم بالعدالة، حب الرعية ما أثر في السكان الذين اعتنقوا الدين الجديد، وساهم في انتشار الإسلام بينهم، ازداد تمسكهم به، أخلصوا له.كانت قبائل الهوسا تنظر إلى الإسلام في البداية بالريبة، إذ استمروا لفترة طويلة متمسكين بعباداتهم التقليدية، لكنها اعتنقته ثم تعزز إسلامهم على يد التجار والعلماء المسلمين، حتى أنهم دمروا كل أماكن العبادة الوثنية، بعدما أعلن جميع ملوك الهوسا اعتناقهم للإسلام ليصبح الدين الرسمي لإماراتهم.زار كثير من العلماء البلاد، للدعوة ونشر الإسلام، تصحيح عقيدة أهلها، أنشأوا عددا كبيرا من المساجد، صارت منارات لنشر الدعوة الإسلامية فيها وفيما حولها، نجحوا فى القضاء على الوثنية.ازدهرت بالتالي في علوم اللغة، الأدب، التوحيد، ما جعل الحكام يقربون منهم العلماء، بعدما تمكنوا من تعليم السكان الآداب والثقافة الإسلامية، اللغة والحروف العربية، مما أدى إلى انتشار الأمن، الهدوء، الطمأنينة في كل الإمارات.