السبت 28 يونيو 2025
37°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

داوود الطائي... تفرغ للعبادة

Time
الأحد 10 مايو 2020
View
10
السياسة
إعداد - نورة حافظ:

قامة صوفية كبيرة ونهر علم لكل من اغترف منه، لخص سفيان بن عيينة ـ من المحدثين ـ قصته فقال: "كان داوود ممن فهم ثم علم ثم عمل"، إنه أبو سليمان داوود بن نصير الطائي الذي ولد في الكوفة، بعد المئة هجري بسنوات غير مقطوع بعلمها، ورث عن أبيه وأمه بعض المال، فلم يفسق ولكن جعل المال لإقامة حياته وتحصيل العلوم.



العلم والفقه
انتقل إلى بغداد بغية التعلم والتفقه، فكان من أصحاب الطبقة الوسطى أي من أتباع التابعين، وواصل العلم والتصوف بين جيل أستاذه الحسن البصري وجيل تلميذه معروف الكرخي، وهب نفسه للعلم وشغل بالفقه وخالط أهل الرأي، فكان يحضر مجالس الإمام أبى حنيفة النعمان إمام أهل الرأي، حتى صار من أكابر أصحابه وأصبح فقيها لا تنغلق عليه مسألة، ومحدثًا لقبًا زخرت بأسانيده أمهات كتب السنة ومراجع كتب الحديث الشريف، فروى عن سعد بن سعيد الأنصاري، وسليمان الأعمش وهشام بن عروة وغيرهم، وروى له النسائي، عرف بالورع والزهد وتحري الحلال.

ثورة على النفس
في حياة هذا العابد الفريد نقطة فاصلة وتحول كامل ترجعه الروايات إلى حوادث مرت به، وجدت صدى في نفسه التي شفها العلم والإيمان الصادق فاستقبلت الرسالة وسلكت دروب العاشقين.
سئل "الطائي" عن سبب توبته وزهده فأخبرهم أنه في شبابه مر بالمقابر فسمع امرأة نائحة توفى ابنها حديثًا تنعاه قائلة : "مقيم إلى أن يبعث الله خلقه... لقاؤك لا يرجى وأنت قريب.. تزيد بلى في كل يوم وليلة... وتسلى كما تبلى وأنت حبيب".. كلمات قليلة من امرأة مكلومة وجدت طريقها إلى قلبه فصدته عن الدنيا وغوايتها.
تقول الروايات أيضا إنه بينما كان يجالس أبا حنيفة النعمان قال له: "يا أبا سليمان أما الأداة فقد أحكمناها"، فقال داود: "فأي شيء بقى؟"، رد أبو حنيفة: "بقي العمل به"، قال: "فنازعتني نفسي إلى العزلة والوحدة فقلت لها: حتى تجلسي معهم فلا تجيبي في مسألة"، ذلك قرار مصيري ونقطة تحول في حياة التائب الزاهد، فقد عقد العزم على العزلة ولكنه لرجاحة عقله وثبات يقينه قصر شهوة نفسه أولاً بأن جالس العلماء وصمت سنة، قال في ذلك: "فكانت المسألة وأنا أشد شهوة للجواب فيها من العطشان إلى الماء فلا أجيبهم فيها"، ثم أتم عزلته بعدها وقضى ما تبقى من حياته في الكوفة.
وحين اعتزلهم كان إمامًا جليل الشأن والعلم شهد له أساطين العلماء والفقهاء، قال عنه الإمام الحافظ الذهبي - محدث ومؤرخ: "كان إمامًا فقيهًا ذا فنون كثيرة ثم تعبد وآثر الخلوة والوحدة، وأقبل على شأنه وساد أهل زمانه".
حاله مع العزلة لقد فهم ثم علم ثم عمل وتفرغ للعبادة والأنس بالله، وحده فآتاه ربه القدرة عليها وألبسه رداء العارفين الزهاد، فصار قطبًا صوفيًا يقتدى به، فريد زمانه.
وصف الربيع الأعرج حاله مع العزلة فقال: "أتيت داود الطائي وكان لا يخرج من منزله حتى يقول: "قد قامت الصلاة"، فيخرج فيصلى فإذا سلم الإمام أخذ نعله ودخل منزله، فلما طال ذلك علي أدركته يومًا فقلت: "يا أبا سليمان على رسلك"، فوقف لي فقلت له: "أوصني"، قال: "ويحك صم الدنيا واجعل الفطر موتك واجتنب الناس غير تارك لجماعتهم".

فراق الدنيا
ذات يوم قرأ "داود" آية ذكرت فيها النار فطفق يكررها مرارًا في ليلته، فأصبح عليلاً، ثم رحل مشيعًا بخلق كثير أجلوه وأحبوه، سلام الله عليك أبا سليمان صاحب القول: "أنظر أن لا يراك الله حيث نهاك، وأن لا يفقدك حيث أمرك، واستح فى قربه منك وقدرته عليك".
وعاش في الكوفة حتى توفاه الله بها عام 166هـ أو 165هـ في زمن الخليفة العباسي المهدي كما جاء في أغلب الروايات.
آخر الأخبار