أحمد الدواسمن التاريخ الاقتصادي حدثت مأساة في أوروبا، ففي القرن الرابع عشر، أي منذ نحو سبعمئة عام تفشى مرض الطاعون في قارة أوروبا فقضى على ثلث الأوروبيين، فكان هذا سبباً برفع مستوى الرفاهة والازدهار في اوروبا.وفقاً لدراسة اجراها الاقتصاديان نيكو فوتلاندر وهانز يواكيم فوت، فبانخفاض عدد السكان في ذلك الوقت ارتفع مستوى الدخل، فقد أصبح هناك المزيد من الأراضي والموارد لصالح المواطنين.ثم ان المواطنين أنفسهم أصبحوا أقلية نسبية تحتاجهم الصناعة، مثلاً، التي اضطرت لدفع رواتب عالية لهم، لأنها تحتاجهم فعلاً للصناعات الحرفية أو الزراعية، فالمواطن العامل أصبح عنصر عمل نادر الحصول عليه، وهنا ارتفعت أجور المواطنين بنسبة 30 في المئة في غرب أوروبا بين عامي 1500 و 1700.ثم ظهرت الثورة الصناعية فيما بعد، وبهذا المثال يتبين لنا ان الأوروبيين أخذوا نصيبهم من الدخل القومي للبلاد، وتحسن مستوى معيشتهم عندما انخفض عدد السكان، وأصبحت لديهم موارد يمكن استغلالها، والعمل بها سواء في الصناعة أو الزراعة. وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر فان الصين تحاول منذ نحو 40 سنة ألا تزيد عدد سكانها من خلال فرض "سياسة الطفل الواحد" حيث تفرض على المواطن الا يُنجب أكثر من طفلٍ واحد، لهذا لم يرتفع عدد المواليد في الصين الى مئات الملايين، واستقر معدل دخل الفرد في البلاد إلى حد ما.
في ما يتعلق بالكويت، يمكن تغيير ثقافة المواطن حول طبيعة العمل، فقبل 30 سنة لم يكن أحد يتفاخر بالعمل اليدوي أو الحرفي، كأن يذكر انه يمتلك محلاً لتصليح السيارات مثلاً، لأن نظرة المجتمع في ذلك الوقت كانت تعتبره عملاً مُعيباً أو شاذاً، مما كدس الكثير من الموظفين في القطاع الحكومي، لكن لأن المجتمع الكويتي قد تغير عبر هذه السنين، اذ ان علامات العولمة أصبحت ظاهرة على كثير من المواطنين، مثل تقليدهم الحياة الغربية بطريقة اللبس والتفكير، فإذا كان الشاب الكويتي قد قبل بهذا التغيير فمن السهل عليه أن يقبل بالمهنة الحرفية أو التجارية، إذا تقلص عدد الوافدين بنحو نصف مليون شخص أو بمقدار 200 ألف وافد، على سبيل المثال، خلال الفترة الزمنية المقبلة.نحن في حاجة الى وزير مالية مـُحنك ينفع البلد، وزير شجاع يعمل بأمانة، ولا يخشى استجوابات مجلس الأمة، كما ان الكويت ليست مسؤولة عن ضعف اقتصادات العالم الثالث حتى تهرع لمساعدتها ماليا، فالمواطن أولى، أي الأقربون أولى بالمعروف، والنفط مادة ناضبة، إذا انتهت سيتضح لنا مدى تقصيرنا في عدم الاهتمام بالعنصر البشري الكويتي، وهو أمر يُفترض ان يكون على رأس الأولويات.سفير كويتي سابق
[email protected]