الأربعاء 14 مايو 2025
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة   /   كل الآراء

درس في الكرامة وعزة النفس

Time
الاثنين 27 ديسمبر 2021
View
5
السياسة
أحمد الدواس

حين كان نيلسون مانديلا يدرس الحقوق في الجامعة كان أحد أساتذته واسمه بيتر أبيض البشرة، يكرهه بشدة، وفي أحد الأيام وبينما الأستاذ يتناول طعام الغداء في مقصف الجامعة اقترب منه نيلسون مانديلا حاملاً طعامه وجلس بقربه.
- قال له الأستاذ بيتر: "يبدو أنك لا تفهم يا سيد مانديلا أن الخنزير والطير لا يجلسان معاً ليأكلا الطعام"، نظر إليه مانديلا و أجابه بكل هدوء: "لا تقلق أيها الأستاذ فسأطير بعيداً عنك"، ثم ذهب وجلس الى طاولة أخرى.
- لم يتحمل الأستاذ جواب مانديلا فقررالانتقام منه، وفي اليوم التالي طرح الأستاذ بيتر في الصف سؤالاً على مانديلا: "سيد مانديلا إذا كنت تمشي في الطريق ووجدت صندوقاً وبداخل هذا الصندوق كيسان، الأول فيه المال والثاني فيه الحكمة، فأي الكيسين تختار؟"
- من دون تردد أجابه مانديلا: "طبعاً سآخذ كيس المال".
- ابتسم الأستاذ وقال ساخراً منه: "لو كنت مكانك لأخذت كيس الحكمة".
بكل برود أجابه مانديلا: " كل إنسان يأخذ ما ينقصه!"
في هذه الأثناء استشاط الأستاذ بيتر غضباً وحقداً لدرجة أنه كتب على ورقة الامتحان الخاصة بمانديلا "غبي" وأعطاها له!
أخذ مانديلا ورقة الامتحان، وحاول أن يبقى هادئاً جالساً إلى طاولته، وبعد بضع دقائق وقف مانديلا واتجه نحو الأستاذ وقال له بنبرةٍ مهذبة: "أستاذ بيتر لقد أمضيت على الورقة باسمك، لكنك لم تضع لي علامة"
الــعــبـــــرة : إيّاك أن تسمح لأحد أن يقوض ثقتك بنفسك، حتى وإن كان أستاذك، أو رئيسك ، لأن نفسك هي أغلى وأثمن من كل شيء .
أضرب لكم مثلا، فقد عمل ديبلوماسي كويتي مع سفير لم تصدر منه كلمة تجرح مشاعره وتُهبط معنوياته، فبذل هذا الديبلوماسي أقصى جهده بهمةٍ ونشاط، فـحصل على ترقيات وظيفية، فكان كالنظام الرأسمالي إذا ترك الأفراد يعملون دون ضغط فسيُبدعون.
ثم عمل مع سفير آخر يشك بالنوايا، وعمل مع ثالث غليظ الطبع يجرح مشاعر وكرامة الموظف، سلوكه مشابه لسلوك هتلر في إطلاق الألفاظ وتقطيب الحاجبين، وقح التعامل حتى لقد اشتكى منه كثيرون في السنوات اللاحقة ، ومرت فترة طويلة على هذا الموظف الطيب وهو يتحمل القسوة وجرح المشاعر، فكان الأجدر برئيسه أن يستمع إليه وينصحه إذا أخطأ ، لكنه لم يفعل.
لم يستطع صاحبنا تحمل المزيد من القسوة والإهانات، فطلب من حكومته نقله من مكان عمله، فلما نقلته مع خصم نصف المعاش شعر براحة كبيرة للغاية، واستطاع ان يتنفس الهواء ، وان يفتح القفص ويستنشق هواء الحرية، حراً يملك نفسه ،وقد ذكرنا فيما سبق أن "الإرادة القوية تحرك الجبال"، فتغيرت أحواله الاجتماعية بشكل أفضل بكثير مما سبق ، هذا الموظف هو صاحب هذه السطور، لكنه ، وبعد مرور 30 عاماً، مازال يتساءل : كيف سمح لهذا المسؤول ان يجرح كرامته؟
على أي حال ، لاشك ان الظروف الصعبة تصنع الرجال، وشيب شعرنا جعلنا فطاحل ، نخرج من تجربة بالحياة الى تجربة أخرى، من ألم لآخر، ومن فرحة لحزن والعكس ، لدرجة أني أتمنى لوعقلي الآن كان لديّ يوم عمري 25 عاما سنة 1975، لربما عالجت أمور الحياة، آنذاك، بشكل أفضل، ومن دون شك كنت سأعالجها بشكل أفضل وعمري 35 أو 45 سنة ، لكنها الحياة فلابد من تجاوز السنوات، يعني حتى نصير أوادم ، ولنا مشاعر راقية، لازم نكبر بالسن، والرجل كلما صقلته التجارب عبر السنين أزال الصدأ عن نفسه وأصبح بريقه لامعـــا ، فكذلك الإنسان إن تعرض لتجارب الحياة ، لكن إياك أن تسمح لأحد ان يثبط معنوياتك أو يجرح كرامتك، لقد عاملته بأخلاقي الطيبة ، وقدمت له واجب العزاء في الكويت، لكني مازلت مجروح الكرامة، وأتساءل: لماذا لم أرد الصاع صاعين ؟

[email protected]

سفير كويتي سابق
آخر الأخبار