حسن علي كرمتستهلك الاجازات والعطلات الرسمية ثلث ايام السنة، هذا في المعدل المعتاد، الا ان واقع الحال ليس كذلك، فديوان الخدمة المدنية ابتدع بدعة لا مثيل لها في كل دول العالم، وهي دمج ايام العمل، اذا صادفت بين عطلتين، واعتبرها ايام راحة، بمعنى إجازة مدفوعة كامل الاجر.عندما يشد وزير المالية شعر رأسه غضباً من تآكل ميزانية الدولة فقط على رواتب بلا انتاج فعلي لموظفين كسالى، ثلاثة ارباعهم غير فاعلين، سيما في ظل نظام الميكنة وبدعة الـ"اون لاين"، التي لا تستدعي حضوراً او مراجعة صاحب المعاملة الوزارة حيث تنجز المعاملة دون مشقة، الامر الذي جعل مكاتب الموظفين تخلو، أو خلت فعلياً من الماكثين فيها اثناء ساعات الدوام الرسمية، فهذا يلزم التخلص من جيش موظفين يلهفون ثلثي الميزانية السنوية للدولة، فيما هم يقضون ساعاتهم اما رقاداً أو جلوساً في المقاهي والتسكع في الـ"مولات"، ولا عجب.في الدول التي طبقت نظام الـ"اون لاين"،لم تكن هناك مشكلة تعيق تطبيق النظام، ففي البلدان الغربية على سبيل المثال هناك نظام الاجر مقابل العمل، وعلى الارجح نظام عقود، أي أن الموظف اذا انتهى عقد عمله خُير بين التجديد أو الفصل، والامر مرهون بالطرفين، فيما الموظف هنا يأكل ويشرب وينام، فيما ساعات عمله الفعلية لا تتعدى الدقائق، وهو مطمئن الى ان راتبه الشهري لن ينقص" بيزه".ثم يأتي من يحذر ان الموسى وصلت الى الرؤوس، وان الحكومة تعاني من افلاس الميزانية، فاذا كانت الميزانية السنوية لحكومة "المعاملة مش خالصة فوت بكرة"، تفوق 22 مليار دينار كويتي، اي تزيد عن 80 مليار دولار اميركي، وهي ميزانية ثلاث أو اربع دول شرق أوسطية أو افريقية، في المقابل الإنتاج الفعلي لا يتعدى ربع ربع الجهد الحقيقي لساعات الدوام الرسمية، هنا ندرك حقيقة السفاهة والتفريط بالمال وكم نحن سفهاء وجهلاء لا نراعي حرمة المال!عندما زارنا رئيس الوزراء الماليزي التاريخي مهاتير محمد، قبل بضع سنوات بدعوة من غرفة التجارة والصناعة، قال في المحاضرة التي القاها:" نحن في ماليزيا العامل يعمل 8 ساعات في اليوم والاجازة يوم واحد في الاسبوع، الا ان العمل لايتوقف ايام الاجازات لأن العمل بنظام شفتات"، فيما في بعض الدول الاوروبية بدأ تطبيق نظام اربعة ايام عمل في الاسبوع، وثلاثة ايام راحة، لكن هل الاربعة ايام هذه يقضيها الموظف في احتساء قهوة الصباح والعبث بالهاتف النقال أو الهذرة مع زميله في المكتب، أو التسكع بين مكاتب الموظفين حتى انقضاء الساعات الاربع، واذا راجعه مواطن على معاملة قال له:" تعال بكرة"؟ الاجازات والعطلات الحكومية عندنا على "مصاخة " وعلى هبل و جهل، كل ذلك على حساب تأخير مصالح الناس واستنزاف ميزانية الدولة، بلا رحمة ولا احساس بحجم الاستنزاف.في إجازة عيد الاضحى، التي انتهت امس، كان ينبغي حصرها بأيام المناسبة الفعلية فقط وهي أربعة ايام، وكان يتفرض عودة الموظفين لدواماتهم في مقرات أعمالهم، لا أن يتكرم ديوان الخدمة المدنية بتمديد الاجازة الى يوم السبت، علماً ان السبت ليس عطلة رسمية، انما يوم راحة، وتستطيع الحكومة اذا لزم الامر استدعاء الموظفين الى اعمالهم فيه، والاغرب من هذا تعويض يوم بديل عن يوم الجمعة،" ليش يا مريم يرحمك الله"؟ ترى كم خسائر الدولة ايام الاجازات والعطلات، وكم يتكبد قطاع البنوك والشركات والقطاعات التجارية جراء الاجازات وتعطيل المعاملات، هذا ناهيك عن الهروب الجماعي الى بلدان قريبة او بعيدة، تتوافر فيها شروط الترويح والترفيه الممنوعة حصراً في وطن "كل من ايده الو"، لا لأن الحكومة ابخص، إنما لأنها ترضخ، فليس هناك دولة، او بقعة في كل العالم وجد فيها المتزمتون والاصوليون والانغلاقيون مرتعاً ليفرضوا عقدهم وامراضهم السادية، كما وجدوها هنا في "هذي الكويت صَل على النبي"!ليسوا وافدين من فُرضوا علينا نظامهم التعيس، بل نحن تعساء عندما رضينا بذلك النظام الوظيفي التعيس، ونحن الذين استمرأنا الفشل ورضينا الكسل والتنبلة، واستنزاف المال وقتل الايام،على حساب الانتاجية وتطور بلادنا، وهذا ما جعل ديوان الخدمة يزيد من كرمه الحاتمي حيث اخذ يوزع الاجازات والعطلات بالجملة والمفرق، ثم يأتي بعد ذلك واحد ليصف الكويتيين بأنهم"مو مال شغل"!صحافي كويتي
[email protected]