الثلاثاء 24 يونيو 2025
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

"ذا النون"... عناية الله في بطن الحوت

Time
الاثنين 18 أبريل 2022
View
5
السياسة
اصطفى اللهُ من البشر رجالاً، هداهم إلى الحق، طهَّرهم وباركهم، وكلَّفهم بان يكونوا لأقرانهم مُبشرين ومُنذرين، ينقلون إليهم تعاليمه، ويبلغونهم بحلاله وحرامه، ولأنه تعالى عليم بذات الصدور، فقد زوَّدهم بقدرات خارقة لسنن الكون، وأيَّدهم بمواهب خاصة وعلامات تنطق بالقدرة المُطلقة لعلَّها تكون سبباً للتقوى والإيمان، وتلك هي معجزات الأنبياء.

كتبت - إيمان مهران:

أرسل الله تعالى نبيه يونس إلى بني إسرائيل الذين تناسوا شريعته ونقضوا عهده مع ابائهم اسحق ويعقوب وموسى فظل يدعوهم و يلح عليهم بالعودة لعبادته وترك ما يعبدون من دونه سنوات طويلة من دون جدوى، ولم يؤمن معه إلا نفر قليل من حشد ضخم يتجاوز المئه ألف، فضاق صدره منهم وشكا الى الله عنادهم وصدهم عنه، ولكن الله تعالى امره بالصبر فصبر ولكن الى حين.
وذات ليلة استبد به الغضب ويأس من استقامتهم، فسأل الله ان ينزل عليهم عذابه جزاء عنادهم، وتصاعد غضبه فقرر الخروج من قريتهم حتى يفسح المجال لعذاب الله الذي قد يأتي في صورة زلزال يهلكهم او فيضان يغرقهم دون ان ينتظر أمر الله في خروجه، وظل يسير لا يلوي على شيء حتى وصل إلى شاطئ البحر وركب مع جماعة من الناس دون ان يدري الى اين هم ذاهبون، وأثناء سير السفينة في عرض البحر هاجت الامواج وأوشكوا على الهلاك وفكروا في التخلص من الاحمال الزائدة على عادة البحارة في ذلك الوقت، فاحضروا السهام ونقشوا على كل سهم اسما من المسافرين، واقترعوا بنية إلقاء من يخرج سهمه في البحر، فخرج السهم باسم يونس، فكرروا الاقتراع مرة ومرة، وكأنهم يتحرجون من القائه في البحر بعد ان لمسوا صلاحه وتقواه وظنوا به خيرا، ولكن النتيجة لم تتغير فعلموا انها ارادة الله الذي قرر ان يلقن نبيه الغاضب درسا وليعلمنا فضائل الصبر والطاعة سواء بسواء.
أمر الله تعالى حوتا ضخما بالاقتراب من السفينة، وما ان سقط نبي الله في البحر حتى التقمه على مرأى ومسمع من اصحابه، ليسكن في بطنه التي امرها الله ان تكون له مستودعا، وحفظه بقدرته من ان يمسه السوء، يقول تعالى في سورة الصافات: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِين إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ).
وهكذا بدأت معجزات الله مع نبيه يونس، فقد أمرالحوت بالسباحة الى منطقة لا تعيش فيها الحيتان عادة يرجح انها منطقة الخليج حاليا، ثم امره بالتقامه لينقذه من الغرق، ومكث في بطنه اياما قيل انها ثلاث ليال وقيل سبع ولا يعلمها الا الله وحده، ولكن دون ان يهضمه لتتحول بطن الحوت الى مأوى، ولا شك انه ظن للحظات أنه ملاق حتفه وأن هلاكه سيكون داخل هذا المكان الضيق المعتم، ولكن مع مرور الوقت علم أنه لايزال على قيد الحياة وان الله تعالى يدبر امرا، فهو يشعر بكل حواسه ويستطيع تحريك جوارحه، وقلبه لا يزال ينبض، ثم ادرك انه وقع في ظلمات ثلاث نتجت عن ظلمة الغضب الذي اعماه عن الحق؛ وظلمة الليل الذي شهد سقوطه من السفينة، وظلمة قاع البحر الذي أوى إليه الحوت، اضافة الى الظلمة التي تحيط به داخل مستقره في بطن الحوت.
وبعد ان سكن خوفه قليلا عرف أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، وفكر كيف يجتاز هذا البلاء، فأوحى إليه ربه بالدعاء، والقى في روعه كلمات من نور لتكون مفتاح النجاة لكل من يجد نفسه في كرب مماثل: لا إله إلا انت سبحانك إنى كنت من الظالمين، فظل "يونس" يرددها بكل جوارحه بعد ان راجع نفسه واقر بفداحة الذنب الذى ارتكبه، فعلم صدق توبته، واستجاب له ربه بعد ان وعى الدرس وكانت المعجزة الثانية فأمر الله الحوت بإخراجه فقذف به الى شاطئ مهجور لا زرع فيه ولا ماء، يشكو السقم والجوع، ويكاد لا يخلو جزء من جسمه من القرح والالتهابات ليدرك انه كان على شفا الهلاك وان وجوده في جوف الحوت لم يكن وهما. وهنا يأتي موعد نبي الله الذي صار اسمه "ذا النون" اي صاحب الحوت مع معجزة اخرى اشار اليها المفسرون، اذ أنبت الله شجرة مثمرة ضخمة بجانبه جعلها مظلة تحميه من أشعة الشمس لكيلا تتفاقم اصاباته، وتكون مصدرا لطعامه وشرابه الى ان استرد عافيته وكر عائدا الى قومه ليواصل مسيرته في الدعوة للتوحيد.
آخر الأخبار