كل الآراء
رأيت الناس قد مالوا... إلى مَنْ عنده مالُ
الخميس 25 أكتوبر 2018
5170
السياسة
مشعل عثمان السعيدالمال وسيلة لا غاية، إلا أن الناس جبلوا على حبه حبا جما، كما أن البعض أصبح يقيم الرجل بما يملك، نحن نعلم أن المال ضرورة قصوى ولكنه ليس كل شيء، إذا ملكت الملايين وفقدت صحتك، ما يغني عنك مالك، أوليس الغنى غنى النفس؟ أوليس الغني بأخلاقه ودينه؟ يقول الله تعالى{المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} سورة الكهف 46، لو تأملت هذه الآية لعلمت أن الباقيات الصالحات خير من المال والبنين، والباقيات أعمالك الصالحة الصلوات الخمس والتقديس والتسبيح والتهليل والعمل بطاعة الله تعالى، فهل يدفع المال الأجل؟ هل يدفن المال مع صاحبه إذا مات؟ "لابو كثير ملك ولابو قليل هلك" ومع ذلك فالمرء لا يشبع من المال "وتأكلون التراث اكلا لما، وتحبون المال حبا جما" سورة الفجر 19-20، ولأهمية المال القصوى عند الناس قال الشعراء في المال مالم يقله مالك في الخمر، هذا أبو الصعاليك: عروة بن الورد العبسي يقول لزوجته:ذريني للغنى أسعى فإنيرأيت الناس شرهم الفقيروأّهونهم وأحقرهم عليهموإن أمسى له حسب وخيروسأل معاوية بن ابي سفيان أحد المعمرين وهو أسلم بن يزيد الفهمي عن الناس فقال:رأيت الناس مذ خلقوا وكانوايحبون الغني من الرجالوإن كان الغني أقل خيربخيل بالقليل من النواللا يأس بالمال إذا أعطى صاحبه حق هذا المال، أما إن كان موسرا بخيلا أفقره الله، ولعل قصة قارون ماثلة بين اذهاننا، لم يملك احد مثلما ملك قارون حتى إن مفاتيح أمواله، لتنوء بالعصبة أولى القوة من الرجال، وخسف الله به وبأمواله. الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه، وصف حب الناس للمال وصفا دقيقا وأن الناس تميل إلى من عنده مال، وتذهب إلى من يملك الذهب، وتهرول هرولة إلى صاحب الفضة ويقول:رأيت الناس قد مالواإلى من عنده مالومن لا عنده مالفعنه الناس قد مالوارأيت الناس منفضةإلى من عنده فضةومن لا عنده فضةفعنه الناس منفضةرأيت الناس قد ذهبواإلى من عنده ذهبومن لا عنده ذهبفعنه الناس قد ذهبواكل ما قاله الإمام الشافعي صحيح، فالناس تتبع المال كما يتبع الطفل أمه، أفلا يتذكر هؤلاء قول الله تعالى وهو يصف صاحب السلطة والمال يوم القيامة حيث يقول "ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانيه" سورة الحاقة 28-29، وقد ورد ذكر ابي الصعاليك فأحببت أن أذكر بعض الشيء عنه لزيادة الفائدة كما عودتكم، هو عروة بن الورد بن زيد العبسي المشهور بعروة الصعاليك، والصعلوك في اللغة الفقير المعدم الذي لا يملك شيئاً، وإذا قيل: تصعلك الرجل، افتقر، وكان عروة أميرا للصعاليك يقوم بأمرهم ومن أشهر الصعاليك أيضا: السليك بن سلكة السعدي، وتأبط شرا وهو لقب عرف به واسمه ثابت بن جابر الفهمي، والشنفرى الأزدي واسمه ثابت بن أواس، أما عروة بن الورد فقد توفي قبل الهجرة بـ 15 سنة، وهو من الشعراء الفرسان المعدودين ومن الأجواد، وكان معاشه من الغارات التي كان يشنها ورفاقه على أحياء العرب، وقد سأل عمر بن الخطاب الحطيئة الشاعر: كيف كانت حروب عبس؟ فقال: كنا نأتم بشعر عروة. وقال عبدالملك بن مروان يوما لجلسائه: من قال إن حاتما أسمح الناس، فقد ظلم عروة بن الورد، وأشهر قصائد عروة بن الورد "سقوني الخمر ثم تكنفوني" التي يقول في بعض أبياتها:سقوني الخمر ثم تكنفونيعداة الله من كذب وزوروقالوا: لست بعد فداء سلمىبمفن مالديك ولا فقيرفلا والله لو ملكت امريومن لي بالتدبر في الأموراذاً لعصيتهم في حب سلمىعلى ما كان من حسك الصدورفيا للناس كيف غلبت أمريعلى شيء ويكرهه ضميريويقول أيضاً:سقى سلمى وأين ديار سلمىإذا كانت مجاورة السريرإذا حلت بأرض بني عليمحل الحي أسفل من نقيروأحدث معهد من أم وهبمعرسنا بدار بني النضيروكانت سلمى سبية لعروة فسقاه أهلها الخمر حتى سكر ففادوها منه بالمال وهو سكران فقبل بذلك، ثم ندم بعد ذلك أشد الندم، وقد أجليت سلمى المدينة المنورة مع يهود بني النضير لما أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة للهجرة، دمتم سالمين في امان الله.كاتب كويتي