

رحيل عبد العزيز سعود البابطين… داعم الثقافة العربية عالمياً
عشق الشعر وساهم في نشر السلام خلال مؤسساته الرائدة
آخر أعماله دعوته كل شعراء العالم الناطقين بالعربية للمشاركة في "ديوان شهداء غزة"
حمل على عاتقه مهمة نشر الثقافة واللغة العربية في أنحاء المعمورة
"ملحمة العرب من أجل السلام" وهي قصيدة شعرية شارك فيها 113 شاعراً
أول أعماله الخيرية بعثة "سعود البابطين" للدراسات العليا عام 1974
مدحت علام
فقدت الساحة الثقافية الكويتية والعربية والعالمية الشاعر ورجل الثقافة والسلام عبد العزيز سعود البابطين، الذي وافته المنية فجر يوم الجمعة الماضي أثناء وجوده في المملكة العربية السعودية، ولقد خيّم الحزن على كل المثقفين في العالم، نتيجة للسيرة العطرة والمضيئة، التي رافقت رحلته الطويلة مع الشعر العربي والثقافة.
ورغم أن البابطين - رحمه الله - من رجال الأعمال المرموقين في العالم، إلا أن عشقه للشعر، جعله يجنح إلى المضي قدماً في هذا الطريق ليس فقط من خلال قرض الشعر والإبداع فيه، وإصدار الدواوين فحسب، بل إنه سخّر قدراته المادية في دعم الشعر العربي، بكل ما منّ الله عليه من خير، فأنشأ - أول ما أنشأ - جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، تلك التي تأسست على الصدق والإخلاص، وساهمت بشكل جدي وفعال في المحافظة على الموروث العربي من الشعر، وفي سبيل ذلك تأسست الجائزة التي كانت تمنح في كل دورة لشعراء على مستوى القصائد والدواوين والريادة والتميز، وبالتالي فقد انتعشت الحركة الشعرية الجادة، وتحرك ركودها.
ولم تتوقف هذه المسيرة عند هذا الحد بل أنشأ وأسّس مكتبة عبد العزيز سعود البابطين للشعر العربي، التي زخرت بالكتب والمخطوطات ونوادر الكتب، كما أنشأ مؤسسة البابطين الثقافية، وراح ينشر الثقافة العربية في كل بقاع الأرض، ويساهم في مساعدة كل من بحاجة إلى مساعدة في أن تكون للثقافة قيمتها، وكان دائم القول إن الشعر يجمع ما فرقته الثقافة.
وفي سياق اهتماماته بالقضايا العربية كان آخر ما قام به رحمه الله "ديوان شهداء غزة"، الذي دعا فيه كل شعراء العالم الناطقين بالعربية للمشاركة فيه، دعماً ومساندة لغزة المحاصرة من قبل الآلات العسكرية الصهيونية.
وقتها أكد البابطين رئيس مجلس أمناء مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية الشاعر عبدالعزيز سعود - رحمه الله - إنه التزامًا من المؤسسة بواجبها تجاه قضايا أمتنا العربية؛ توجهت المؤسسة في يوم الإثنين 23 أكتوبر الماضي بنداء إلى شعراء العربية كافة في جمع أنحاء العالم للمشاركة في "ديوان شهداء العزّة"؛ للتعبير عن المشاعر الوطنية والإنسانية التي تعتمل في نفوس أبناء الأمة العربية والإسلامية، وفي نفوس جميع الشرفاء وأصحاب الضمير الحي في كل مكان تجاه ما يحدث في غزة من فظائع رهيبة بحق المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني دون رحمة أو وازع من مبدأ أو ضمير".
حيث أعلنت المؤسسة تنظيم مسابقة بين القصائد المشاركة في هذا الديوان، يرجع القرار فيها إلى لجنة تحكيم فنية متخصصة تضم نخبة من أبرز أساتذة الأدب ونقاد الشعر المعاصرين وذلك حسب المنهج الموضوعي المنضبط الذي اتبعناه منذ إنشاء جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري سنة 1989.
وأضاف البابطين:" خصَّصْنَا ثلاث جوائز لأفضل ثلاث قصائد من بين القصائد المقبولة للمشاركة في الديوان؛ الأولى قيمتها: 10٫000 دولار، والثانية: 7000 دولار، والثالثة: 5000 دولار، وكان آخر يوم لتسلُّم المشاركات هو يوم الخميس 30 نوفمبر 2023م.
واستطرد في السياق نفسه :"لقد جاءت هذه المبادرة تصديقًا لقناعاتنا الراسخة بالقضية الفلسطينية العادلة، واستمرارًا لجهودنا المتواصلة لإبراز دور الشعر في تجسيد مواقف الأمة العربية والدفاع عن حقوقها المشروعة في كل وقت، منذ أن أصدرنا "ديوان الشهيد محمد الدرة" سنة 2001، ثم "ديوان القدس" سنة 2018 ورهاننا دائمًا كان ولا يزال وسيظل بإذن الله مرتبطًا بثقتنا المطلقة في ضمائر شعرائنا وحسّهم القومي وإيمانهم بالحقوق العادلة للشعب الفلسطيني ومسؤوليتهم الأصيلة في التعبير عن مواقف الإنسان العربي ومشاعره، وانفعالاته في أوقات الفرح والعزة والانتصار، وفي لحظات التراجع والانكسار.
ورغم أن الدكتور والشاعر عبد العزيز سعود البابطين، رجل مال وأعمال، إلا أن الشعر لم يفارقه لحظة واحدة، فكان هاجسه كتابةً ودعماً ونشراً، ومن أجل ذلك أسس مجموعة البابطين للإبداع الشعري.
وكان منذ طفولته لديه اهتمام واسع بالثقافة والأدب والشعر العربي، حيث يعدّ أحد رواد الحركة الثقافية العربية والتنمية المعرفية في الوقت الحالي، وهو أحد الذين يحملون على عاتقهم مهمة نشر الثقافة العربية واللغة العربية في شتى أنحاء المعمورة، وله العديد من الجهود البارزة في شتى المجالات الثقافية، ولقد كان له دور واضح وبارز في مجال الثقافة والمعلومات والتعليم والتكنولوجيا.
كما أنشأ العديد من المدارس والكليات والمعاهد في الكثير من البلدان، وأسس بعثـة سعود البابطين الكويتية للدراسات العليا عام 1974م، بالإضافة إلى العدد الكبير من الدورات التعليمية والتدريبية للغة العربية وللشعر العربي سواء داخل دولة الكويت وخارجها.
كما أنشأ عام 1989م مؤسسة جائزة عبد العزيزة سعود البابطين للإبداع الشعري، ومكتبة البابطين المركزية للشعر العربي، ومكتبة البابطين في القدس.
وكان رحمه الله دائم التأكيد على أن: "الشعر هو سبيلنا، كما هو سبيل من سبقونا في التعبير عن عواطفنا الإنسانية ومشاعرنا الفياضة، وهو جوهر ثقافتنا وسيظل اهتمامنا بالشعر والارتقاء به ضمن أهدافنا في مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين، وسنظل حريصين على إقامة مهرجان الشعر وأمسياته وفعالياته المتنوعة لتعزيز مكانة ديوان العرب بين الناس".
وأنه: "مع تطور أنشطة المؤسسة وتنوعها، والتوسع في مراكزها واهتماماتها - خصوصاً العمل في نشر ثقافة السلام في العالم - ما زال الشعر من أهم اهتماماتنا لأننا نؤمن بأنه أداة من أدوات ثقافة السلام وحوار الثقافات… وفي هذا الشأن أصدرت المؤسسة ملحمة العرب من أجل السلام، وهي قصيدة شعرية مطولة شارك فيها مئة وثلاثة عشر شاعرا في 4 آلاف بيت من بحر واحد وقافية واحدة وعدد صفحات يزيد على 400 صفحة حيث طبعتها المؤسسة في طباعة فاخرة، وقامت بتقديمها للقارئ العربي عام 2017، وترجمت عام 2018 إلى اللغة الإنكليزية، وقدمت إلى جهات أجنبية عديدة كالمراكز الثقافية والمؤسسات البحثية والسفارات الأجنبية في الكويت، للتأكيد على سعي العرب إلى السلام وحبهم له".
ومن الإضاءات المتميزة، كرسي عبدالعزيز سعود البابطين للسلام العادل في الجامعة المتوسطية في ألبانيا، وقد كشف عن أنشطته الأستاذ الدكتور آربين سي سي، استنادًا إلى مذكرة التفاهم الموقعة بين مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية والجامعة.
والشاعر الدكتور عبد العزيز سعود البابطين، ولد عام 1936م، وأصدر ديوانه الأول "بوح البوادي" عام 1995، وديوانه الثاني "مسافر في القفار" صدر عام 200، وهو عضو في الكثير من اللجان الوطنية والجمعيات الثقافية ومجالس الأمناء، وحصل على العديد من الأوسمة الرفيعة من الكويت وخارجها، منها درع جائزة الملك فيصل العالمية، وجائزة الدولة التقديرية من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت عام 2002، وحصل على العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية.
"الوطني للثقافة" ينعى البابطين
نعت الأمانة العامة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب المغفور له - بإذن الله تعالى - رجل الأعمال الكويتي والأديب والشاعر عبدالعزيز سعود البابطين الذي وافته المنية الجمعة الماضية.
ونقلت الأمانة العامة تعازي وزير الإعلام ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ورئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عبدالرحمن بداح المطيري لذوي الفقيد ومحبيه على هذا المصاب، سائلين المولى عز وجل أن يلهمهم الصبر والسلوان، وأن يتغمد الفقيد بواسع رحمته.
وقالت الأمانة في نعيها: يعد الراحل عبدالعزيز البابطين من أبرز رجال الثقافة والشعر في المشهد الثقافي الكويتي والعربي، إذ إنه أصدر دواوين شعرية عدة، كما أنه ترأس مجموعة البابطين للإبداع الشعري، وتقلد عددا من المناصب في عدد من المؤسسات التعليمية والأدبية في الوطن العربي. كما تم تكريمه من عدد من الجامعات العربية والعالمية بمنحه شهادة الدكتوراه الفخرية؛ تقديرا لعطائه المميز في مجالات خدمة الأدب والثقافة والإبداعات الشعرية.
معاجم البابطين الشعرية
يعدّ معاجم البابطين الشعريَّة من الإصدارات المهمة، التي قدمها البابطين رحمه الله للثقافة العربية، ولقد أبرزت هذه المعالم الدور الحضاري للشعر العربي في كل عصوره ومن ضمن سلسلة الإصدارات الثقافية لمؤسسة عبد العزيز البابطين الثقافية، صدر كتاب "قصَّة معاجم البابطين الشعريَّة" للمؤلف ماجد الحكواتي، الذي تحدث فيه عن هذا الإنجاز الثقافي المهم، كما يكشف كثيرًا من الجوانب التي أحاطت بموضوع إنشاء "مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري"، بصفتها مؤسسة تُعنى بالشعر والشعراء، من خلال تقديم الجوائز للمبدعين وطباعة الدواوين، وتحقيق المخطوطات الشعرية وإصدار الكتاب والبحوث، مرورًا بإعادة هيكلة المؤسسة نتيجة التوسع في أنشطتها وبرامجها واهتماماتها خصوصًا، بعد إيلائها موضوع حوار الثقافات ونشر ثقافة السلام الاهتمام الكبير.
وأبرز في الكتاب قول الشاعر عبد العزيز سعود البابطين رحمه الله في تصدير الكتاب: "لقد أنجزت المؤسسة ثلاثة معاجم كبرى قدمتها إلى الأمة، كان أولها معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين، الذي بدأت قصته أواسط عام 1991م، حتى أنجز في عام 1995م في ستة مجلدات، واحتفلت المؤسسة بصدوره في السادس من أكتوبر 1995م، حيث أقامت حفلًا كبيرًا تحت رعاية صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح - رحمه الله-، ثم أصدرت المؤسسة في عام 2002م طبعة ثانية، ومزيدة لهذا المعجم بنسختين: ورقية وإلكترونية، ثم أصدرت الطبعة الثالثة عام 2014م، وأصبح عدد مجلداته عشرة مجلدات، بعد إضافة عدد كبير من تراجم شعراء جدد".
كما أصدرت معجمها الرابع "معجم البابطين لشعراء العربية في عصر الدول والإمارات" ضمن مشروع معاجم البابطين للشعر العربي عبر العصور، وهو المشروع الذي ترى فيه المؤسسة أولوية قصوى، وتوفّر له إمكانات هائلة على كافة المستويات، حتى يقدم للمكتبة العربية أول رصد موثق مكتمل لحركة الشعر العربي.
جائزة عبدالله الفيصل للشعر العربي
حصل الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين – رحمه الله على جائزة عبدالله الفيصل للشعر العربي، في موسمها الرابع، ضمن فئة "أفضل قصيدة مغناة"، عن قصيدته "لن أسلاكم" من أداء الفنانة ولاء الجندي، والتي تغنت بها خلال حفل التتويج الذي أقيم في قبة جدة "سوبر دوم"، بحضور مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس مجلس أمناء أكاديمية الشعر العربي الأمير خالد الفيصل الذي توّج الفائزين بنفسه.
وحصدت "لن أسلاكم" على منصة "يوتيوب"، أكثر من 3 ملايين مشاهدة، والمركز الثالث عشر في المحتوى الرائج للموسيقى بالمملكة العربية السعودية على المنصة ذاتها، ويقول مطلعها: "والله لن أسلاكم حتى وإن سلوتم/ أو أنكم نسيتم عهداً لنا قطعتم… أو الزمان قد طغى عليّ أو عليكم/ أو الليالي غيبت أحلامنا لينعموا".
الرئيس الألباني كرّمه بوسام الجمهورية
كّرم رئيس جمهورية ألبانيا إلير ميتا، في احتفالية كبيرة؛ رئيس مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين "رحمه الله"، حيث منحه "وسام العَلَمِ الوطني الألباني"، الذي يُعَد أعلى وسام استحقاق في دولة ألبانيا، وذلك تقديراً لما يبذله البابطين رحمه الله من جهود في نشر الثقافة العربية ونشر ثقافة السلام العادل في العالم.
وحضر الاحتفالية كوكبة من الشخصيات وعدد من سفراء بعض الدول العربية وممثلي البعثات الديبلوماسية لدى جمهورية ألبانيا؛ وفي كلمة بهذه المناسبة عبر الرئيس الألباني عن سروره بمنح الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين وسام الجمهورية الألبانية، معربًا عن تقديره العميق لما يقوم به الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين من جهود وأنشطة وفعاليات في ما يتعلق بنشر ثقافة السلام العادل، من خلال التعليم والمنتديات ودعواته المتكررة إلى الحوار ونبذ العنف واتباع نهج سلمي للحفاظ على مستقبل الأجيال القادمة.

